القضاء في عصر الخلفاء الراشدين
مما تجدر ملاحظته في خلافة
سيدنا أبي بكر أنه لم يظهر منصب القاضي المتخصص الذي تفرغ لما وكل إليه وليس له
سوى القضاء، لم يكن ذلك قائماً لدى الرسول وكذا أبي بكر، وربما يرجع ذلك إلى حداثة الإسلام، وما غمر بنوره القلوب فأحيا الضمائر، وضاعف الشعور بالإثم فكان المسلم الأول يعرف حقه كما
يعرف حق غيره ، ويدرك واجبه وواجب غيره.([1])
فمنذ أن ولي الخلافة سيدنا
أبو بكر ، أخذت رقعة البلاد الإسلامية تتسع، وأصبحت الاختصاصات الإدارية والقضائية اللتان كانتا
تجتمعان في شخص الخليفة في المدينة وفي الولاة في الأمصار مما يناء بحمله، الأمر الذي أدى بدءاً من خلافة سيدنا أبي بكر إلى
توزيع الاختصاصات هذه، فلما ولي أبو بكر الصديق
الخلافة قال له أبو عبيدة : أنا أكفيك المال، وقال عمر رضي الله عنه أنا أكفيك القضاء ،
وعليه ومنذ هذا العهد أخذت السلطات القضائية تنفصل رويداً عن السلطات الإدارية في
الدولة الإسلامية.
إلا أنه يمكننا القول بحق
بأن أول من قام بإبراز التنظيمات الإدارية بشكل واضح ،
بل وأول من وضع أسس النظامين الإداري والقضائي في الدولة هو سيدنا عمر بن الخطاب.
وقد أولى مرفق القضاء وتنظيماته اهتماماً خاصاً، ظهر في عهده كولاية أي ــ كوظيفة
مستقلة ــ وأصبح القاضي يعين من قبل الخليفة نفسه
أو من قبل الوالي ذي الولاية العامة، إذا كان
مفوضاً بذلك ، وكانت طلائع هذا التنظيم أن ولّى
الخليفة عمر أبا الدرداء قضاء المدينة، وشريح بن
الحارث الكندي قضاء الكوفة، وأبو موسى الأشعري
قضاء البصرة.
وكان اختصاص القاضي المكاني يشمل الولاية بأكملها ، وكان مقره عاصمة الولاية ،
وسبب ذلك قلة الخصومات ، فضلاً عن أن قضاء المظالم
الذي كان بادئ ذي بدء يتولى أمره الخليفة أو الوالي نفسه،
فخفف من ضغط العمل.
أما مكان انعقاد جلسات القضاء فكان إذ ذاك: إما المسجد أو دار القاضي،
وفي زمن سيدنا عثمان اتخذ داراً خاصة للقضاء في المدينة.
وأما الاختصاص الموضوعي فلم يكن محدداً بشكل واضح، مع الإشارة إلى أن قضاء القضاة كان قاصراً على الفصل
في الخصومات المدنية والأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونكاح ونفقة.. إلخ... أما القصاص
والحدود فكان يرجع بشأنها إلى الخلفاء، وولاة
الأمصار أصحاب الولاية العامة
.([2])
إرسال تعليق