الوقفة الاولى
طول العمر والبقاء على قيد الحيــاة فرصـــة للتزود من الطاعات. فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال صلى الله عليه وسلم
قال: فأي الناس شر؟ ( من طال عمره وحسن عمله ) قال
قال صلى الله عليه وسلم : (من طال عمره، وساء عمله)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من قضاعة أسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأُخِّر الآخر سنة ، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف ركعة وكذا ركعة صلاة سنة؟ (
يقول الإمام النووي: "اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة  ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى، أو يثني بما هو أهله"
وإن من أكبر نعم الله على العبد  توفيقه للطاعات والعبادة فدخول شهر رمضان على المسلم وهو في صحة جيدة نعمة  عظيمة تستحق الشكر والثناء على المنعم المتفضل بها.

>>>>>>>>>> 

الوقفة الثانية ||:: التقــــــوى ::||

يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [
"من هذه الآية تبرز الغاية الكبيرة من الصوم.. إنها التقوى.. فالتقوى هي التي تستيقظ
في القلوب وهي التي تؤدي هذه الفريضة، طاعة لله، وإيثاراً لرضاه. والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية".
يقول صاحب الظلال : " والدين لا يقود الناس بالسلاسل إلى الطاعات، إنما يقودهم بالتقوى  وغاية هذه العبادة التقوى والذي يفلت من أداء الفريضة تحت ستار الرخصة لا خير فيه منذ البدء "

>>>>>>>>>> 

الوقفة الثالثة ||:: الصيام وتربية الإرادة ::||

يقول ابن القيم في تعريف الإرادة: "إنها مخالفة العادة، وهي ترك عوائد النفس، وشهواتها  ورعوناتها وبطالاتها" ومن صفات صاحب الإرادة: "التحبب إلى الله بالنوافل، والإخلاص في  نصيحة الأمة، والأنس بالخلوة، والإيثار لأمر الله تعالى، والحياء من نظره، وبذل المــــجهود، والتعرض لكل سبب يوصل إليه، وعدم قرار القلب حتى يصل إلى وليه ومعبوده" وعّد الإمام البنا الإرادة من الصفات التي يجب أن تتوافر فيمن يريد الإصلاح::
"إرادة لا يتطرق إليها ضعف ، ووفاء لا يعدو عليه تلون ولا غدر، وتضحية عزيزةلا يحول  دونها طمع ولا بخل، وإيمان بالمبدأ يقي من الوقوع في الزلل".
ويقول الشيخ الغزالي: "إن من أهم ثمرات الصوم إيتاء القدرة على الحياة مع الحرمان  في صورة ما".
وإن من أسباب انتصار الأمة الإسلامية في الفتوحات الإسلامية قلة الشهوات التي يخضعون لها، أو قلة العادات التي تعجز عن العمل إن لم تتوافر. يضع الواحد منهم تمرات في جيبه وينطلق إلى  الميدان .. من أركان العظمة أن يجعل الرجل مآربه من الدنيا في أضيق نطاق مستطاع .. إنه يعُيي  عدوه بذلك الاستعفاف أو الاستغناء، وذلك نهج الشرف الذي خطه علي بن أبي طالب عندما قال:
"استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره". وما يستقيم على هذا النهج إلا  امرؤ يحسن الصيام.

>>>>>>>>>> 

الوقفة الرابعة : ||:: إرادة اليسر بالمؤمنين ::||

] يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [
"هذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها؛ فهي ميسرة لا عسر فيها، وهي توحي للقلب الذي يتذوقها، بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها، وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها ولا تعقيد. سماحة تؤدَّى معها كل التكاليف وكل الفرائض وكل نشاط الحياة الجادة وكأنما هي مسيل الماء الجاري، ونمو الشجرة  الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء، مع الشعور الدائم برحمة الله وإرادته اليسر لا  العسر بعباده المؤمنين .. وقد جُعل الصوم للمسافر والمريض في أيام أخر، لكي يتمكن  المضطر من إكمال عدة أيام الشهر فلا يضيع عليه أجرها".

>>>>>>>>>> 

الوقفة الخامسة ||:: الشعور بالهدى الذي يسره الله للمؤمنين ::||
[ ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ]
فهذه غاية من غايات الصيام.. أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم.
وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام أكثر من كل فترة. وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها. وهم شاعرون بالهدى ملموساً  محسوساً، ليكبروا الله على هذه الهداية وليشكروه على هذه النعمة. ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة.

>>>>>>>>>> 

؛؛ الوقفة السادسة ؛؛
||:: اتصال مدرسة جهاد النفس بمدرسة الجهاد العسكري إلى يوم القيامة ::||

يقول صاحب الظلال: " لقد كان من الطبيعي أن يفرض الصوم على الأمة التي يفرض عليها الجهاد في سبيل الله، لتقرير منهجه في الأرض وللقوامة به على البشرية، وللشهادة على الناس. فالصوم مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها واحتمال ضغطها وثقلها، إيثاراً لما عند الله من الرضا والمتاع..وهذه كلها لازمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك والذي تتناثر على جوانبه الرغاب والشهوات".
>>>>>>>>>> 

الوقفة السابعة ||:: الصيام وتزكية النفوس ::||

يقول العلامة ابن القيم: "المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن
المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بما للأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها  ومعادها، والصوم يسكن كل عضو منها ويلجمه بلجامه، فهو لجام المتقين وجُنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين".


>>>>>>>>>> 
الوقفة الثامنة ||:: الصيام والسير إلى الله ::||

يقول ابن القيم: "لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى، متوقفاً على جمعيته على الله، ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول المنام مما يزيده شعثاً ويشتته في كل وادٍ يقطعه عن سيره إلى الله تعالى أو يضعه أو يعوقه، اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام  والشراب ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوق له عن سيره إلى الله تعالى،  وشرعه بقدر المصلحة، بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأُخراه ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة".

قال الشافعـــي: "ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة اطرحتها لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم ويضعف صاحبه في العبادة".
وقال أبوسليمان الداراني: "إن النفس إذا جاعت وعطشت صفا القلب ورق، وإذا شبعت ورويت عمي القلب".

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجوعون كثيراً ويتقللون من أكل الشهوات، والله سبحانه وتعالى لا يختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا أكمل الأحوال وأفضلها.
>>>>>>>>>> 
الوقفة التاسعة ||:: من يوفق في شهر رمضان يوفق طول العام ::||

يقول العالم الرباني الشيخ أحمد بن عبدالأحد السرهندي: "إذا وفق الإنسان للخيرات
والأعمال الصالحة في هذا الشهر، حالفه التوفيق طول السنة، وإذا مضى هذا الشهر في توزع وتشتت حال مضى العام كله في تشتت وتشويش".

>>>>>>>>>> 

الوقفة العاشرة ||:: أثر الصيام على الأمم والمجتمعات ::||

يقول الشيخ: أحمد بن عبد الرحمن الدهلوي في شرح حديث (إذا دخل رمضان فتحت
أبواب الجنة ) : "الصوم إذا التزمته أمة من الأمم، سلسلت شياطينها وفتحت أبواب
جنانها وغلقت أبواب النيران عنها".
ثم يقول ".. واجتماعهم في الصوم يكون سبباً في نزول البركات الملكية على خاصتهم وعامتهم، وأدنى أن ينعكس أنوار كُمّلهم على من دونهم وتحيط دعوتهم من ورائهم ".
>>>>>>>>>> 

الوقفة الحادية عشرة ||:: الصيام وسد ذرائع التعمق ::||

إن من المقاصد المهمة في باب الصوم سد ذرائع التعمق، ورد ما أحدثه فيه المتعمقون، فإن هذه الطاعة كانت شائعة في اليهود والنصارى ومتحنثي العرب، ولما رأوا أن أصل الصوم قهر النفس تعمقوا وابتدعوا أشياء فيها زيادة القهر وفي ذلك تحريف دين الله  وهو إما بزيادة الكم أو الكيف:

أولاً :: من الكـــــم
قوله صلى الله عليه وسلم : (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجلاً كان يصوم يوماً فليصم ذلك اليوم ) . ونهيه عن صوم يوم الفطر ويوم الشك، وذلك لأنه ليس بين هذه ورمضان فصل .

ثانياً:: من الكيـــف
النهي عن الوصال والترغيب في السحور والأمر بتأخيره وتقديم الفطر، فكل ذلك تشدد وتعمق من صنع الجاهلية . ويتجلى في تأخير السحور وتعجيل الفطور، عجز الصائم وحاجته وهو ملائم للعبودية محقق لغرضه.
>>>>>>>>>> 

الوقفة الثانية عشرة ||:: الصيام والصبر ::||

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( شهر رمضان شهرُ الصبر ).
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: ( الصوم نصف الصبر )

والصبر ثلاثة أنواع:
صبر على طاعة الله،
وصبر عن محارم الله،
وصبر على أقدار الله المؤلمة
وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم.
>>>>>>>>>> 

الوقفة الثالثة عشرة ||:: الصيام وتغيير واقع المسلمين إلى الأحسن::||

من حكم الصيام الجليلة تعليمه الأمة المسلمة أن تغيير هذا الواقع السيئ الذي تحياه اليوم إلى  واقع حسن أمر جائز وممكن. والحقيقة أن اليأس لا يعرف الطريق إلى قلب أدرك حقيقة الصوم لأنه لو تدبر ذلك جيداً لوجد رمضان يغير حال الناس على العموم ويجعل للحياة طعماً جديداً حيث ترى المهمل في الصلاة يسعى للمسجد والذي هجر القرآن يسرع إلى القراءة، والذي نسي الذكر يعود إلى ديوان الذاكرين، ويهرب من ديوان الغافلين والذي بخل بالإنفاق يجود ويتصدق.

مظاهر التغيير في شهر رمضان:
1- ازدحام المساجد بالعبّاد والذاكرين .
2- عودة الصائمين إلى مصاحبة القرآن الكريم .
3- ظهور الأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة .
4- سهولة تغيير الإلف والعادة كإمساك المدخن عن التدخين رغم تعلله بعدم القدرة
على ذلك في غير الشهر الكريم،
5- ويغير كثير من عادات الناس في نومهم ويقظتهم وسهرهم.
>>>>>>>>>> 

إن هذه الحقيقة تؤكد لنا أن عملية تغيير أمر لا يدخل في باب الاستحالة
واليأس ولكنه يحتاج إلى عزيمة وصبر ومجاهدة.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام واجعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم واكتب لنا الدوام
على الطاعة بعد رمضان حتى نلقاك .. اللهم آمين .
.
.
.
والي هنــــا بفضل الله نكون قد أتممنــــا وقفاتنا مع هذا الشهر الفضيل
أسأل الله ان يرزقنا واياكم الاخلاص والقبول ..!!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

Post a Comment

Previous Post Next Post