القصة بمفهومها البسيط فن قديم عرفه الناس منذ عرفوا الوجود وهو فن محبب إليهم جميعا رجالا ونساء جهلاء ومتعلمين في الحل والترحل ولما انطوى عليه مما يستميل القلوب .
ويمتع النفوس ومن يستقرئ الأدب العربي منذ فجره إلى اليوم يجد أن للعرب قصصا كانت في بدء أمرها أسمارا وأخبارا يتناقلها الناس ويرويها الآباء للأبناء في حلقاتهم وتحت قباب خيمهم ويضمنونها مآثر الأباء والأجداد في حقول الشجاعة والفروسية والغرام كما ينسجونها حول الأساطير التي نبتت في ربوع الخيام وعبرت عن آمال النفوس وتنفسات القلوب كأيام العرب وأخبار الغدريين وألف ليلة وليلة وسيرة عنترة وما إلى ذلك غير أن النقاد في العصر الحديث لا يجدون هذه القصص القديمة بأنواعها المختلفة من القصص الفنية لأنها لا تصور الحياة الواقعية ولا تعالج مشكلات الإنسان في ظل الواقع ولا تتوفر لها قيمة فنية حتى تعد جنسا أدبيا .
أما هذه القصة الفنية الحديثة فقد تأخر بها الظهور في الأدب العربي حتى القرن التاسع عشر : ذلك أن الأدباء لم يكونوا يلتفتون إلى الحياة يصورونها بتفصيلاتها وأجزائها دون مبالغة أو تزو يق ولما احتك العرب بحضارة الغرب في بداية عصر النهضة العربية واطلعوا على تراثهم الضخم في الأدب القصصي وتدارسوا كتاباتهم في شتى الفنون وأصولها وعرفوا أثر الفن القصصي العميق في تثقيف الشعب وتوجيهه وقدرته على استيعاب تطلعات واهتمامات الجماهير وعلى البلاد العربية آنذاك أكب الأدباء على الترجمة ينقلون إلى العربية القصص التي جادت بها الأقلام ويقتبسون منها ما جعلوه نواة صالحة لأدب جديد ثم أكبوا على كتابة القصة العربية متأثرين في ذلك بالآداب الغربية في العصر الحديث وقد ساعدت المجلات الأدبية والصحافة على رواجها مترجمة ومقتبسة ومؤلفة وجاء عهد لم تخل فيه صحيفة أو مجلة من قصة قصيرة .
وقد سار الأدباء في هذا التأثر في أطوار متعاقبة وبدأوا هذه الأطوار مترسمين خطى القصص العربية القديمة وبخاصة المقامة ثم ألف ليلة وليلة وبالخرافات أو القصص على لسان الحيوانات وخير مثال على التأثر بفن المقامة هو الساق على الساق للشدياق وحديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي وفيهما يظهر تأثرهما بفن المقامة وبالفن القصصي الغربي معا كما يظهر تأثر شوقي بالمقامة وبألف ليلة وليلة من جهة وبالثقافة الغربية من جهة ثانية في قصته "لادياس" وأما الخرافة فيتجلى تأثر الأدباء بها في اقتباس بعض الموضوعات من كليلة ودمنة ولكن القالب الفني فيها متأثر دائما بقصص الغرب وبخاصة قصص "لافونتين " .
وفي المرحلة الثانية من ميلاد القصة العربية الحديثة أخذ الأدباء العربفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين – يتحررون شيئا فشيئا من أساليب القصص العربية القديمة وبدأ الوعي الفني ينمي جنس القصة بالاغتراف من موردها الناضج في الآداب الأجنبية وقد بدأ هذا الطور بدءا طبيعيا بتعريب موضوعات القصص الغربية وتكييفها لتطابق الميول الشعبية أو لتساير جمهور المثقفين فكان الكاتب يؤلف الموضوع من جديد مستهديا الأصل الأجنبي في مجموعه لا في تفاصيله مستبيحا تغيير ما يشاء حتى أسماء الشخصيات والاماكن وإضافة ما يريد ليغير مجال الأحداث وقد أدى ذلك إلى تشويه لقيم القصص الفنية وإخفاق في الكشف عن الجوانب النفسية وإغراق في إجادة التعبير الذي لا يصور تصويرا دقيقا الفكرة أو الموقف أو الحالة النفسية وأوضح مثال لذلك رفاعة الطهطاوي في ترجمة قصة "مغامرات تليماك" وحافظ إبراهيم في ترجمة قصة " البؤساء " .
وعندما نضج الوعي الأدبي ونهض الجمهور ثقافيا تطلب الترجمة الدقيقة وقد قام بها كثير من الأدباء الذين أسدوا إلى الأدب واللغة يدا عظيمة ونذكر منهم حسن الزيات وطه حسين وعبد الرحمن بدوي وغيرهم ممن المعاصرين وقد كانت هذه الترجمة في أكثرها من الآداب الغربية ثم من الأدب الروسي ، وقد أخذ الوعي الفني في النضج في خلال المراحل السابقة فشرع ينشئ أدبا قصصيا يتّصل  بعصرنا وبيئتنا ، وكانت القصة التاريخية من أسبق أنواع القصص العربية إلى الظهور ، ومن رواد الكتابة في هذا الميدان سليم البستاني ، فجرجي زيدان ثم محمد فريد أبو حديد ، ثم أخذت تقوم بدورها الاجتماعي الذي تقوم به في الآداب الغربية أو قريب منه وقد تأثرت بالكلاسيكية أولا ، ثم الرومانسية ، وأخيرا بدأت تتأثر بالاتجاهات الفلسفية والواقعية في معالجة الحقائق الكبرى أو المشكلات الاجتماعية ، ونقتصر هنا على التمثيل بقصة " أنا الشعب " لمحمد فريد و " عودة الروح " لتوفيق الحكيم و "الأرض " للشرقاوي " . والقصة أنواع ، والنوع الذي يهمنا في هذا الموضوع هو القصة القصيرة ( الأقصوصة ) وهي تتناول زاوية ضيقة من نواحي الحياة ، وتسلط أضواءها بشكل مركز على شخص في حالة من حالاته ، أو على حادثة معينة غير متشعبة ، لا يهتم فيها الكاتب بالتفاصيل والجزئيات .

Post a Comment

Previous Post Next Post