ماهية التمكين

من أهم التعريفات التمكين وأوضحها هو ما جاء عند Bowen and Lawler, (1992; 1995)   " التمكين يتمثل في إطلاق حرية الموظف، وهذه حالة ذهنية، وسياق إدراكي لا يمكن تطويره بشكل يُفرض على الإنسان من الخارج بين عشية وضحاها. التمكين حالة ذهنية داخلية تحتاج إلى تبني وتمثُل لهذه الحالة من قبل الفرد، لكي تتوافر له الثقة بالنفس والقناعة بما يمتلك من قدرات معرفية تساعده في اتخاذ قراراته، واختيار النتائج التي يريد أن يصل إليها".

وقبل مناقشة تعريف مصطلح التمكين، لابد من الاعتراف بأن هنالك آراء مختلفة حول التعريف إلا أنها تجمع في أغلبها على أن التمكين يتمحور حول إعطاء الموظفين صلاحية، وحرية أكبر، في مجال الوظيفة المحددة التي يقوم بها الموظف حسب الوصف الخاص بتلك الوظيفة من ناحية، ومن ناحية أخرى منحه حرية المشاركة وإبداء الرأي في أمور في سياق الوظيفة، أي خارج إطار الوظيفة.(Cogner and Kanungo، 1988، Bowen and Lawler، 1992) .

والتمكين لدى البعض ينظر إليه على انه تحرير الإنسان من القيود، وتشجيع الفرد، وتحفيزه، ومكافأته على ممارسة روح المبادرة، والإبداع. (Zemke and Schaaf,1989, 65) .

والتمكين عند آخرين هو عدم القيام بالأشياء على أساس القوانين الجامدة بحيث ينظر أصحاب التمكين إلى القوانين على أنها وسائل مرنة لتحقيق غايات المؤسسة وأهدافها. ولكن المدير البيروقراطي التقليدي ينظر إلى القوانين على أنها غاية ووسيلة معاً. لذلك تفعل البيروقراطية فعلها في كبح جماح الإبداع والتفكير المستقل، ولكن التمكين يحرر الفرد من الرقابة الصارمة والتعليمات الجامدة والسياسات المحددة، ويعطيه الحرية في تحمل المسؤولية عن التصرفات والأعمال التي يقوم بها، وهذا بدوره يحرر إمكانيات الفرد ومواهبه الكامنة التي حتما ستبقى غير مفعّلة ومستغلة في ظل البيروقراطية الجامدة والإدارات المستبدة.

فلا يمكن الاستفادة من مواهب الفرد وقدراته وإمكانياته، لا للمؤسسة ولا للفرد نفسه مما يؤدي إلى إهمال هذه القدرات وضياعها وموتها في النهاية (Carlzon، 1987) .

وهناك من وصف التمكين على أنه حاله ذهنية (Bowen and Lawler, 1995; Berry, 1995)   (Rafiq and Ahmed, 1998) . لدرجة أن الموظف الذي يمتلك هذه الحالة الذهنية (State of Mind) يمتلك الخصائص الآتية التي يمكن أن نطلق عليها خصائص الحالة الذهنية للتمكين والتي تشتمل على:

1.      الشعور بالسيطرة والتحكم في أدائه للعمل بشكل كبير.

2.      الوعي والإحساس بإطار العمل الكامل (أي الأعمال والأشياء التي تدور في ذلك العمل الخاص الذي يقوم به الموظف).

3.      المساءلة والمسؤولية عن نتائج أعمال الموظف.

4.      المشاركة في تحمل المسؤولية فيما يتعلق بأداء الوحدة، أو الدائرة، وحتى المؤسسة التي يعمل بها.

إن ما يساهم في توضيح أهمية التمكين بشكل أكبر، أن نرى بأن التمكين يعطي الفرد مزيدا من المسؤولية المناسبة للقيام بما هو مسؤول عنه (أي إعطاء الإنسان الأقرب للمشكلة مسؤولية كاملة وحرية للتصرف في المشكلة لأنه أو لأنها أقرب الناس للمشكلة وأكثرهم احتكاكاً وتأثيراً بمشكلته أو مشكلتها). مثال على ذلك موظف البنك (Teller) الذي يحتلك بشكل مباشر مع الزبائن فهو أقرب من مديره لمشكلة الزبائن والأقدر على فهم ما يريد الزبون.

ويؤيد الكاتب ما جاء به    Randolph and Sashkin (2002) من أن التمكين هو الاعتراف بحق الفرد بالحرية والتحكم، وهذا الأمر يمتلكه الإنسان بما يتوافر لديه من إرادة مستقلة وخبرة ومعرفة ودافع داخلي

فهنالك بون شاسع بين من يمتلك إرادته ومن لا يمتلكها، ومن يتحمل المسؤولية ومن لا يتحملها، ومن هو جدير بالثقة ومن هو غير جدير بها. والقائمة لا تنتهي. فإذا جرّدنا الفرد في أي سياق اجتماعي وتنظيمي من هذه المقومات، فسيكون في هذا تكريس للانصياع واللامسؤولية والشعور بعدم الأهمية. والشعور بعدم الاستقلالية والشعور بفقدان أي معنى للوظيفة والشعور بالنقص وتكريس الشعور بالتبعية وعدم القدرة على التصرف. هذه النتائج لا تبدو مُحبطة للموظف فحسب، ولكنها أيضاً نتائج عكسية على المؤسسة التي تمارس في هذه الحالة جهداً أكبر في الرقابة والتأكد والمتابعة بدلاً من الثقة التي تعطي مجالاً للإدارة والمدير ليقوم بأشياء أكثر أهمية من مراقبة أتباعه والتأكد من أنهم يعملون ولا يلعبون.

هذا وقد حاول بعض العلماء وضع تعريفات متباينة للتمكين، فمثلا قام   Lashely (1999) بتعريف التمكين من خلال تقسيمه إلى عدد من الأصناف مثل؛ التمكين بواسطة المشاركة، والتمكين من خلال المساهمة في اتخاذ القرار والمشاركة في تحمل المسؤولية، والتمكين من خلال الانتماء مع ما يتضمنه من انتماء لأهداف المؤسسة. ويؤخذ على هذا التعريف بأنه لم يحدد تعريفا ومفهوما محددا للتمكين معتمدا بدلا من ذلك على عدد من النتائج أو المقومات التي تساهم في خلق المناخ الملائم للتمكين، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تتم عملية التمكين دون مقومات المشاركة والتفاعل والانتماء الذي ينسجم مع الشعور بالمسؤولية وتحقيق الأهداف. فالتمكين يقود الفرد إلى الشعور بالانتماء المعنوي للمؤسسة والانتماء المادي، وكل منها مكمل للآخر، ويترك كل منها آثاراً إيجابية على نفسية الموظفة أو الموظف وشعورهما بالأهمية في المؤسسة وبالاعتبار والتقدير، لأن التمكين وخاصة عندما نتحدث عن المؤسسات الخدمية، فإن التمكين يساهم في جعل المؤسسة أكثر قرباً من الزبائن وأكثر مسؤولية تجاههم في حل مشاكلهم، ليس فقط خلال عملية البيع، بل في ما يسمى بخدمات ما بعد البيع والخدمات المكملة لصفقة البيع التي أصبحت تستثمر لرفع مستوى العلاقة بين الزبائن والمؤسسات على المدى الطويل، وفي هذه العلاقة فإن التمكين يعطي الموظف الروح التي تمكنه من الانتماء لزبائنه ولمؤسسته على حد سواء.

 

العلاقة بين الموظف والإدارة

يكمن سر نجاح الكثير من الشركات العالمية الناجحة في التوافق بين ثقافتها وأهدافها ورضا الزبائن، فهي معنية بإكساب الموظف التمكّن والرؤية والرضا والثقافة التي تمكنه من تحقيق الانتماء لأهداف المؤسسة، من خلال إرضاء الزبائن، فيشعر الموظف بالتوافق والانسجام بين دوره في التعامل مع الزبائن والحلقة التي يلتقي فيها معهم من جهة، ودوره في التعامل مع الإدارة وشعوره الإيجابي اتجاهها في ممارساتها نحوه من جهة أخرى. وفي كثير من الأحيان يحدث تناقض بين الأمرين أو تكامل في الأشكال التالية(وهذه العلاقة تنطبق بشكل أساسي على موظف الخدمات):

1.      التوافق السلبي: بأن تكون علاقة الإدارة مع الموظف سلبية عدائية، فينجم عنها علاقة سلبية عدائية بين الموظف والزبائن.

2.      التوافق الإيجابي: بأن تكون علاقة الموظف مع المؤسسة إيجابية، فينجم عنها علاقة ايجابية مع الزبائن.

3.      التناقض الإيجابي: وهنا تكون علاقة الإدارة مع الموظف إيجابية وعلاقته مع الزبائن سلبية أو العكس، أي أن تكون علاقة الموظف مع المؤسسة أو الإدارة سلبية ولكن علاقته مع الزبائن إيجابية.

أما التفسير المحتمل لهذه الحالات الثلاث فهو كما يأتي:

فالنوع الأول: وهو المتوقع عندما تكون ممارسات الإدارة تقوم على الشك وعدم الثقة في الموظف أو الاستغلال وتجاهل حقوق الموظفين وحاجاتهم المختلفة، فمن الطبيعي أن ينجم عن ذلك ردود فعل سلبية من قبل الموظفين في تأدية الأعمال التي يقومون بها، سواء أكان في مؤسسات الخدمات التي يتعامل فيها الموظف مع الزبائن في احتكاك مباشر وجهاً لوجه أم في المؤسسات الإنتاجية التي يعمل فيها الموظف بشكل مباشر مع الزبائن فتؤثر العلاقة على كفاءة الموظف وأدائه في الأعمال، ومن الطبيعي أن المقدمات السلبية تفضي إلى نتائج سلبية على الإنتاجية والأداء، فتزداد عوامل الصراع والرقابة، وتسود حالة عدم الثقة بين المدير والموظف، مما ينعكس سلباً في كل الأحوال في نتائج الأداء المرتبطة بالإنتاجية وخاصة من النواحي المتعلقة بالنوعية والفاعلية، فقد يتم إنتاج الكم المناسب تحت وطأة المراقبة الدائم من قبل المدير، ولكن على حساب النوعية والجودة والفاعلية.

أما النوع الثاني: وهو متوقع وطبيعي أيضاً، وذلك عندما تحاول الإدارة العناية برغبات الموظفين وحاجاتهم فينعكس ذلك إيجاباً على نتائج الأداء، سواء أكان مباشراً في التعامل مع الزبائن أم غير مباشر كما هو الحال في المؤسسات الإنتاجية أو الصناعية.

أما النوع الثالث: فينقسم إلى قسمين:

أ‌.        علاقة إيجابية سلبية.

ب‌.      علاقة سلبية إيجابية.

 

أما في العلاقة الإيجابية السلبية فتكون الإدارة علاقتها مع الموظفين إيجابية وتقدر احتياجاتهم ومشاكلهم، ولكن لا ينعكس ذلك على أدائهم في التعامل مع الزبائن، وهذه حالة شاذة وسببها قد يكون سوء الإدارة في بعض أو معظم الممارسات المتعلقة بإدارة الموارد البشرية، مثل سوء التعيين والانتقاء والتدريب وغيرها من ممارسات سلبية.

وأما في العلاقة السلبية الإيجابية، فعندما تمارس الإدارة أساليب غير سليمة وغير مناسبة في التعامل مع الموظف ولا تلبي احتياجاته أو تعتني بمشاكله، ولكنه بالمقابل يقوم بأداء مهام وظيفته بشكل مناسب. وهذه الأخيرة تحدث بشكل خاص في المؤسسات الخدمية التي يتعامل فيها قطاع عام من الموظفين مع الزبائن وجهاً إلى وجه، ولكن هذه العلاقة بشكلها السلبي الإيجابي لا تدوم طويلاً، وهذه العلاقات أشار إليها وأكد عليها بشكل مباشر أو غير مباشر علماء في الموارد البشرية والخدمات مثل (Bowen and Schneider, 1981; 1983; 1993) . والجدول الآتي يبين باختصار شكل هذه العلاقات المختلفة.

جدول 1أشكال العلاقة بين الموظف والإدارة

         أنواع العلاقات بين الإدارة والموظف والنتائج   الإدارة/ مع الموظف    الموظف/ مع الزبائن    الأداء  علاقة الموظف مع الزبائن (مثالاً)

1.                التوافق السلبي سلبية   سلبية   سلبي   سلبية

2.                التوافق الإيجابي         إيجابي  إيجابي  إيجابي  إيجابية

3.                التناقض الإيجابي

(وينقسم إلى قسمين)   إيجابية سلبية   سلبي   سلبية

                   سلبية   إيجابية إيجابية إيجابية

المصدر: من إعداد الكاتب.

فالإدارة الناجحة هي تلك الإدارة التي تقوم بتشخيص طبيعة العلاقة بين المدير أو الإدارة والموظف من ناحية، وبين الموظف ونتائج الأداء أو الزبائن من ناحية أخرى. وهذا يحتاج إلى استقصاء الآراء والانطباعات لمعرفة رأي كل طرف من أطراف العلاقة بالآخر، وما هي التوقعات التي يتوقعها كل من الآخر. وتحتاج إلى ممارسة مزيد من الشفافية والواقعية والصراحة لبناء النوع الثاني من العلاقات، وهو التوافق الإيجابي الذي يحتاج إلى مقومات من التمكين والمشاركة والثقة، لكي تتمكن الإدارة من بناء علاقات إيجابية مع الموظفين، لينعكس بشكل إيجابي ومتميز على الزبائن أو الإنتاج.

فمفهوم التمكين من المفاهيم المعاصرة التي ترتقي بالعنصر البشري في المنظمة المعاصرة إلى مستويات راقية من التعاون وروح الفريق والثقة بالنفس والإبداع والتفكير المستقل وروح المبادرة. ويبين هذا الفصل وفصول أخرى، وإن اختلفت التعريفات والمفاهيم، بأن جوهر التمكين يتمركز حول منح المرؤوس حرية في أداء العمل ومشاركة أوسع في تحمل المسؤولية ووعي أكبر بمعنى العمل الذي يقوم به.

والتمكين يحتاج إلى مقومات طويلة المدى من العلاقة الإيجابية والثقة والشعور بالشراكة بين الإدارة والموظف أو العامل. والتمكين ليس بمجرد تفويض صلاحيات أو مسؤوليات، وإنما هو حالة من الشعور بالمساواة ضد مبدأ الطبقية في التعامل، بحيث يعترف المدير بالموظف ودوره الذي يقوم به دون تقليل لأهمية ذلك الدور  (Van Oudtshoorn and Thomas، 1993، Spreitzer، 1995، Thomas and Vethouze، 1990، Cogner and Kanungo، 1988).

المحاور الآتية من هذا الفصل ستتركز حول موضوع التمكين في الفكر الإداري والتطورات التاريخية في فكر التمكين ومن ثم شرح أساليب التمكين المتباينة.

مواضيع ذات صلة
 
التمكين يتمثل في إطلاق حرية الموظف، وهذه حالة ذهنية
التمكين الاداري رسالة ماجستير
بحث عن تمكين العاملين
التمكين الاداري وعلاقته بالرضا الوظيفي
التمكين الاداري
تمكين العاملين مدخل للتحسين والتطوير المستمر
تعريف التمكين النفسي
مفهوم التمكين الاجتماعي
اهمية التمكين الاداري

Post a Comment

Previous Post Next Post