الحماية القانونية للبيئة من طرف الولاية في قانون البيئة
زيادة الأخطار التي تهدد البيئة الإنسانية أدت بالدول إلى وضع أنظمة قانونية لمواجهة الأخطار البيئية فصدرت العديد من القوانين البيئية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وإنكلترا ، وفرنسا ، أما في الجزائر وغداة الإستقلال فقد عرفت فراغا قانونيا ومؤسساتيا كما قلنا سابقا في جميع جوانب الحياة مما جعل المشرع وبموجب قانون 62/157 يمدد إستعمال القوانين الفرنسية إلا فيما يتعارض مع السيادة الوطنية [1] إلا أنه في سنوات الثمانينات عرفت الجزائر قفزة نوعية في مجال التشريع البيئي والتي بدأت بصدور أول قانون لحماية البيئة سنة 1983 [2] وبالرغم من أنه يعتبر القاعدة الرئيسية للمنظومة التشريعية والتنظيمية المتعلقة بحماية البيئة [3] إلا أنه يحتاج  إلى مراجعة لسد الثغرات الموجودة فيه ، فهو ينطلق من تشخيص وضع البيئة في الجزائر على إعتبار أنها عامل فعال وأساس في التنمية الإقتصادية والإجتماعية  وعليه يتوجب تقييم آثار مختلف المشاريع الإنمائية على التوازنات البيئية من خلال دراسات التأثير المسبقة قبل تنفيذ أي إستثمار.[4]
فصدور قانون البيئة 83-03 كرس فعلا نظام اللامركزية في حماية البيئة بنصه كما قلنا سابقا على أن المجموعات المحلية تمثل المؤسسات الرئيسية لتطبيق تدابيرحماية البيئة[5]  وأحالنا في كيفية ذلك للتنظيم فهو لم يتعرض لدور الولاية في حماية البيئة لذا كان حتميا إنتظار ما ستفرزه القوانين الجديدة للولاية .
وبعد مرور 20 سنة من صدور القانون 83-03 لسنة 1983 ونظرا للمعطيات الجديدة التي عرفها العالم لاسيما التطور التكنولوجي والحضري رأى المشرع إلى ضرورة إصدار قانون جديد يتعلق بحماية البيئة ، ولقد جاء هذا القانون بمفاهيم وتعاريف جديدة فيما يتعلق بحماية البيئة ، التنمية المستدامة ، مع العلم أنه قد أشار المشرع للتنمية المستدامة بصفة غير مباشرة في قانون البيئة لسنة 1983 حيث نصت المادة 3 منه " تقتضي التنمية الوطنية تحقيق التوازن الضروري بين متطلبات النمو الإقتصادي ومتطلبات حماية البيئة والمحافظة على إطار معيشة السكان "[6] ونص عليها صراحة في القانون 03-10 في المادة 4 " على أن التوفيق بين تنمية اجتماعيةوإقتصادية قابلة للإستثمار وحماية البيئة ، أي إدراج البعد البيئي في إطار تنمية تضمن تلبية حاجات الأجيال  الحاضرة والأجيال المستقبلية.[7]
فلقد أسند القانون 03-10 للولاية بعض الصلاحيات التي تعد من قبيل الأعمال والنشاطات التي تتعلق بحماية البيئة والمحافظة على عناصرها الطبيعية والصناعية، فقد نصت المادة 8 من هذا القانون فيما يخص الحقوق الخاصة بالمعلومة البيئية في القسم 02 " على أي شخص طبيعي أو إعتباري في حيازته معلومات متعلقة بالعناصر البيئية التي قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الصحة العامة بتقديم هذه المعلومة إلى السلطات المحلية أو السلطات المسؤولة عن البيئة المحلية " ،والولاية بصفتها سلطة محلية بإمكانها تلقى معلومات تتعلق بالبيئة .
ويعهد قانون حماية البيئة إلى الوالي بإعتباره  ممثلا للولاية بتسليم الرخص لإقامة المنشآت المصنفة حسب أهميتها بالنظر للأخطار أو الأضرار التي قد تتسبب فيها[8]،كما ينص على ضرورة إعلام المواطن وإشراكه في القرار ومنه إعطاء أهمية للتحقيقات العمومية لمختلف المشاريع .


وتطبيقا لأحكام المواد 19 ، 23 ،24 من هذا القانون المتعلقة بالمنشآت المصنفة جاء المرسوم التنفيذي رقم 06-198  الذي يضبط التنظيم المطبق على المؤسسات المصنفة لحماية البيئة .[9]
ويقضي تسليم الرخصة إلى إخضاع صاحب المنشأة لتقديم دراسة التأثير أو موجز التأثير وكذلك دراسة الخطر والفحص البيئي والتي يحددها المرسوم التنفيذي 07-145 [10] ولتحقيق عمومي ودراسة تتعلق بالأخطار والإنعكاسات المحتملة للمشروع يؤخذ رأي الجماعات المحلية المعنية [11] بما فيها الوالي الذي يتيح له القانون منع تسليم الرخصة إذا كان رأيه سلبيا تجاه منشأة مقدر لها أن تلحق ضررا بالبيئة والصحة العمومية ويعذر الوالي حسب المادة 25 صاحب المنشأة في حالة حدوث أخطار من إستغلال المنشأة غير المصنفة - غير واردة في قائمة المنشآت المصنفة - لإتخاذ التدابير اللازمة الضرورية لإزالة الأخطار أو الأضرار المثبتة ، بناء على تقارير مصالح البيئة ، وإذا لم يمثل المستغل في الأجل المحدد ، أمر الوالي بوقف سير المنشأة إلى حين تنفيذ الشروط المفروضة .[12]
كما يتلقى الوالي محاضر حول العقوبات المتعلقة بالمؤسسات المصنفة ، وممارساتها ضد البيئة ، ويحرر تلك المحاضر ضباط الشرطة القضائية ومفتشو البيئة في نسختين إحداهما ترسل إلى الوالي والأخرى، إلى وكيل الجمهورية .[13]
ولم يشر قانون البيئة 03-10 لدور الإدارة المحلية في مجال حماية البيئة ، وإكتفىبإعتبار البيئة أولوية من أولويات السياسة الوطنية وقرنها بالتنمية المستدامة للمجتمع  وهو ما أدى بالبعض للتساؤل عن سبب هذا التراجع لاسيما وأن الدستور يعتبر أن الجماعات قاعدة أساسية في المادة 15 منه .
كما أن هذا القانون كرس الطابع الجهوي في التسيير كبديل للطابع المحلي والإقليمي والإداري ، ويحكم هذا الأخير ويديره جهازا مركزيا مراعيا في ذلك الإمتداد الطبيعي بإعتباره أسلوبا حديثا ومبتكرا لتسيير والحفاظ على البيئة ، وعليه فيمكن الإعتماد على الطابع الساحلي والصحراوي و السهوب ...إلخ  كبديل للولايات و البلديات من أجل على الحفاظ على الطبيعة .[14]
ويظهر دور الجماعات المحلية في حماية البيئة أيضا من خلال النصوص القانونية الخاصة والمتعلقة بحماية أحد عناصر البيئة على غرار قانون المياه ، قانون حماية التراث الثقافي ، قانون التهيئة العمرانية ، قانون الغابات ، القانون التوجيهي للمدينة ....إلخ من القوانين.

الحماية القانونية للبيئة من طرف الولاية في القوانين ذات الصلة:
 إضافة إلى الحماية القانونية للبيئة من طرف الولاية في ظل قانون الولاية ، وقانون البيئة  نجد لها صلاحيات أخرى في نصوص تنظيمية و تشريعية تتولاها الولاية في حدودها الإقليمية وهذا في إطار السياسة العامة التي ترسمها الدولة في مجال حماية البيئة وتظهر حمايتها مثلا في حماية عنصر من عناصر البيئة ضمن هذه القوانين والمراسيم مثل قانون المياه ، قانون الغابات ، قانون التهيئة والتعمير قانون إزالة النفايات ، قانون المالية ... وغيرها من القوانين المتعلقة بحماية البيئة .
أولاً: إختصاص الولاية في حماية البيئة من خلال قانون المياه
أشار القانون05-12[15]إلى الدور الأساسي والجوهري والذي يدخل في صميم إختصاصات الجماعات المحلية من خلال ضرورة توفير المياه الصالحة للشرب للمواطن [16] .
وجاء القانون بالعديد من الوسائل والآليات القانونية في هذا المجال وقد نصت المادة 21 التي أعطت للجماعات المحلية عقد إرتفاق على الأملاك العمومية الصناعية وهذا من خلال صيغ متعددة إما الإستلاء أو الشغل المؤقت أو الإقامة على الممتلكات المجاورة،  كما أوضحت المادة 55 أن الدولة والجماعات المحلية تقوم بإنجاز المنشآت وهياكل الحماية والمبادرة بكل التدابير الوقائية من أجل المحافظة على الإطار المعيشي والوقاية من المخاطر نتيجة صعود الطبقات المائية الجوفية .


وبهدف المحافظة على الموارد المائية ومكافحة تلوث مياه البحر إستحدث بموجب آخر تعديل للمرسوم التنفيذي 94-279 [17] الذي ألحق بالقرار المؤرخ في 06 فيفري 2002 .[18] " لجنة تل البحر الولائية " الذي حدد تشكيلتها وكيفية عملها والصلاحيات المنوطة بها ، إذ أضيفت إختصاصات واسعة للوالي في مجال حماية البيئة والموارد المائية، يترأس هذه اللجنة الوالي المختص إقليميا ، كما تتشكل من عدد من رؤساء الهيئات ومديري مؤسسات عمومية على مستوى الولاية بما فيهم قائد الدرك الوطني ، مفتش البيئة ، مدير النقل ، مدير الصيد البحري والموارد الصيدية للولاية ، مدير الموانئ ...إلخ .
تجتمع هذه الهيئة ، كلما دعت الضرورة وبأمر من رئيسها ، ولقد أعطى  المشرع لهذه الهيئة عدة إختصاصات تمارسها قصد المحافظة على البيئة البحرية هي :[19]
إعداد مخطط تل البحر الولائي وفقا للتنظيم ، إتخاذ التدابير الضرورية لتحسين وتعزيز قدرات تدخل الأجهزة المكلفة بمحاربة التلوث ، متابعة عملية المكافحة ووضع منظومة للوقاية وللكشف والحراسة ولمراقبة كل أعمال التلوث البحري .
الجدير بالذكر أن لجنة تل البحر الولاية تنسق مع مصالح البيئة للولاية ، هذه الأخيرة التي أسندت إليها مهمة تحضير إجتماعات اللجنة وإعلام أعضائها بكل المعلومات الكفيلة لتحسين مخطط تل البحر الولائي وإنشاء بنك معلومات للوسائل المتوفرة لمكافحة التلوث البحري على مستوى الولاية .[20]
ثانياً : إختصاص الولاية في حماية البيئة من خلال قانون الغابات
تعد المحافظة على الثروات الغابية من المحاور الأساسية التي ترتكز عليها السياسة الجزائرية في مجال حماية البيئة وضمان التنمية المستديمة .[21] فالغابات تلعب دورا أساسيا في التوازن الطبيعي والمناخي والإقتصاديوالإجتماعي للبلاد .[22]
وعلى هذا الأساس نجد على الصعيد الوطني أن قانون حماية البيئة والتنمية المستدامة وقانون العقوبات إلى جانب القانون المتضمن النظام العام للغابات أوجدوا إطارا عاما لحماية الثروة الغابية [23]،كما أسند المشرع الجزائري مهمة هذه الحماية إلى عدة هيئات وأجهزة عمومية سواء على المستوى المركزي أو المحلي ،فعلى المستوى المحلي نجد الولاية تضطلع بمهام أخرى في مجال المحافظة على العناصر الطبيعية إلى جانب الماء والهواء وهي التربة و التنوع البيولوجي والتي تؤدي بشكل أو بآخر إلى حماية البيئة ، حيث تسعى مصالح الولاية بمنع التربة من الإنجراف والتصحر بإتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك للمحافظة في نفس الوقت على الأحياء من نبات وحيوان .[24]عن طريق الحفاظ على الغابات .
كما نجد في هذا الاطار أيضا أن المشرع الجزائري تدخل من خلال خصه الثروة الغابية بآلية قانونية منفردة باعتبارها أحسن وسيلة للمحافظة على التربة من خلال عملية التشجير والمحافظة على المساحات الغابية والتي من شأنها أن تضمن حمايتها من كل أشكال الاعتداءات التي قد تؤدي إلى إتلافها .[25] خاصة أن الثروة الغابية تتميز بأنها بطيئة النمو وسريعة التلف هذه الخاصية لا طالما جعلت المشرع يوليها إهتمام كبير، فقد صدر أول تشريع يتعلق بحماية الثروة الغابية سنة 1984 .[26]، حسب هذا القانون فإنه جعل للولاية صلاحيات مهمة تؤدي إلى حماية الغابات بصفة مباشرة ، كما تقدم مساهمة معتبرة في مكافحة التلوث أو تدهور البيئة .
فعلى ضوء المادة 16 من القانون السالف الذكر ، فإن الولاية باعتبارها ممثلا للدولة في إقليمها الجغرافي تتخذ جميع إجراءات الحماية لكي تضمن دوام الثروة الغابية و نستشف من قراءاتنا لهذه المادة الدور الكبير الذي أنيط للولاية فيما يخص قيامها بحماية الثروة الغابية وجميع أصناف النباتات بصفة عامة ، كذلك تقوم الولاية بتقديم رأيها إلى الوزير المكلف بالغابات قبل أن يقوم بتسليم رخصة تعرية الأراضي الغابية [27]ويظهر أهمية هذا الاختصاص أن الولاية يمكن لها أن تقدم رأيا بعدم الموافقة ، إذا تبين لها أن مشروع عملية التعرية قد يضر بالأراضي الغابية ويلحق بها أضرار تؤدي إلى تدهورها أو تزيد في ذلك .
وتشارك الولاية مثل باقي هياكل الدولة في الوقاية من الحرائق ومكافحتها وفق المادة 19 لاسيما من خلال التدابير التي قد يتخذها الوالي في هذا المجال ، كما وضحها المرسوم 87- 44 [28]والتي نذكر منها صلاحية الوالي في تقديم أو تأخير فترة عدم الترخيص باستعمال النار في الأماكن الواقعة داخل الأملاك الغابية إلا من أجل توفير الحاجيات المنزلية أو الاستغلال المنزلي فقط [29].
وفي مسعى إلى المحافظة على هذه الثروة الغابية يتوجب أيضا على الهيئات المكلفة بمد أنابيب المحروقات والكهرباء وتسييرها وإستغلالها بإعلام الوالي بالأشغال والتجهيزات التي تقطع الأملاك الغابية الوطنية والتي تنطوي على خطر الحريق[30] بالإضافة إلى ذلك فإن الوالي يمكنه أن يتخذ قرار بغلق الجبال المعلنة حساسة في وجه جميع الأشغال والأعمال غير الغابية ، التي يمكن أن تتسبب في الحرائق باستثناء مسالك المرور ودخول السكان التي تبقى مفتوحة .[31]
كما أن المرسوم 87-45.[32]قد حدد عدة صلاحيات تتخذها الولاية في ميدان مكافحة حرائق الغابات، مثل إتخاذ الوالي قرار يضمنه  مخطط مكافحة النار التي قد تندلع في غابات الولاية .[33] ولتعزيز دور الولاية في حماية الغابات تم أيضا إنشاء محافظة ولائية للغابات [34] تتولى تطوير الثروة الغابية وإدارتها وحمايتها وتسييرها في إطار السياسة الغابية الوطنية .
وكذلك تشارك الولاية بموجب المادة 53 من قانون الغابات في إنشاء مساحات المنفعة العامة التي يكون الغرض منها إحياء الأراضي الغابية وإستصلاحها وحمايتها من الإنجراف بتقديم الاستشارة للوزارات المكلفة بالغابات ، والوزراء المعنيين الذين يعدون تقرير يتم بناء عليه إصدار مرسوم بإنشاء مساحات المنفعة العامة .
وتبعا لذلك فإن تعزيز الإطار القانوني لحماية الثروة الغابية في الجزائر يعد من الأولويات التي يقع على السلطات العمومية ، فالولاية تجسد هذه الأولوية من خلال تحديد كيفية التعامل مع الثروة الغابية الوطنية بما يضمن إستغلالها بصفة عقلانية تتماشى ومتطلبات التنمية المستدامة وتكرس للحق الدستوري المقرر للأفراد وهو الحق في البيئة السليمة ، هذه البيئة التي بدون الغطاء النباتي لا يمكن أن تجد توازنها الإيكولوجي[35] والملاحظة الأخيرة التي يمكن إبداؤها في هذا المجال وهي أن الولاية تتمتع بإختصاصات متعددة في محاربة تلف وتحطم الغابات وهي مبعثرة عبر نصوص قانونية شتى ، وتعتبر الولاية الأكثر نشاطا من البلدية في ميدان الغابات كونها تتمتع بصلاحيات واسعة في هذا الشأن .[36]

إختصاص الولاية في حماية البيئة من خلال قانون التهيئة والتعمير
لقد سعى المشرع الجزائري إلى إيلاء إهتماما كبيرا لمشاكل العمران والبيئة من أجل تحقيق نوع من التوازن بين النمو العمراني والمحافظة على البيئة وحمايتها بتكييف مخططات التهيئة مع المقاييس البيئية مع إرساء شبكة عمرانية متناسقة ومنسجمة تعمل على دمج الحياة الحضرية والريفية دون تمييز[37].
فنجد أن نشاط التهيئة العمرانية في الولاية يضبطه عدد من النصوص القانونية يأتي في مقدمتها القانون 90-29 المتعلق بالتهيئة والتعمير [38] حيث يرمي ويهدف إلى إحترام القواعد العامة للتهيئة والتعمير مع مراعاة دواعي الحفاظ على البيئة .
إلا أن التمعين الجيد لموضوع العمران والبيئة يدفعان نوعا ما إلى التساؤل عن العلاقة بين الموضوعين ، كون أنهما موضوعان متناقضان ، فالأول يستغل المجالات الطبيعية والثاني يسعى إلى حماية المجال الطبيعي ، لكن هذا لم يمنع في الآونة الأخيرة قوانين التهيئة والتعمير من أن تهدف إلى حماية الأوساط الطبيعية التي لم تصبح تقتصر على قانون البيئة فقط ، وبالتالي العلاقة هي علاقة وثيقة الصلة متداخلة ومترابطة[39].
فقانون 90-29 الذي سنبين من خلاله مجال تدخل الولاية يظهر مزجا قويا بين قواعد التهيئة والتعمير وقواعد حماية البيئة ، كما نلاحظ الإرتباط الوثيق بين الأهداف التي يصبو إليها والتي تشكل في حد ذاتها صوراً من صور حماية البيئة.
فبالرجوع إلى المادة الأولى من القانون 90-29 ، فإن هذا القانون يهدف إلى تحديد القواعد العامة الرامية إلى تنظيم إنتاج الأراضي القابلة للتعمير والموازنة بين وظيفة السكن والفلاحة والصناعة وأيضا وقاية التراث الثقافي والتاريخي بالإضافة إلى حماية البيئة والمحافظة عليها من خلال وقاية المحيط والأوساط الطبيعية والمناظر، فمسؤولية تطبيق أحكام هذا القانون هي على كاهل مجموعة من الهياكل المركزية واللامركزية والولاية من ضمن هذه الهيئات اللامركزية حيث نجد أن المادة 27 تنص على أن "الوالي يصادق على المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير بالنسبة للبلديات أو مجموعة من البلديات التي يقل عدد سكانها عن 200000 ساكن .
لقد إشترط القانون في المادة 65 الفقرة الثالثة من قانون 90-29 موافقة الوالي أو إبداء رأي الموافقة حتى يمكن لرئيس المجلس الشعبي البلدي أن يمنح رخصة بناء أو رخصة تجزئة في حالة غياب مخطط شغل الأراضي ، وللوالي صلاحيات تسليم هذه الرخصة في حالة البنايات والمنشآت المنجزة لحساب الدولة والولاية وهياكلها العمومية ومنشآت الإنتاج والنقل وتوزيع الطاقة وتخزينها ، بالإضافة إلى المواد الإستراتيجية و كذلك إقتطاعات الأرض و البنايات التي لا يحكمها مخطط شغل الأراضي مصادق عليه[40] . 
و يبدي الوالي برأيه حسب المادة 67 من نفس القانون إلى الوزير المكلف بالتعمير قبل تسليم هذا الأخير لرخصة البناء أو التجزئة بالنسبة للمشاريع المهيكلة ذات المصلحة الوطنية أو الجهوية .
كما أن الوالي يستطيع فرض رقابته على أشغال التهيئة و التعمير من خلال قيامه بزيارات إلى البنايات الجاري تشييدها في أي وقت و إجراء التحقيقات التي يراها مفيدة كما له أن يطلب المستندات التقنية المتعلقة بالبناء [41]، وفي بعض الحالات يقوم الوالي بتسليم شهادة المطابقة لإثبات مطابقة أشغال البناء مع رخصة البناء [42].
وإستكمالا لصلاحيات الوالي والهيئات التنفيذية للولاية في مجالات التهيئة والتعمير أتبع المشرع صدور قانون التهيئة والتعمير 90-29 إصدار مراسيم تنظيمية لتطبيق بعض الأحكام الواردة في هذا القانون كالمرسوم 91-175 المؤرخ في 28 ماي 1991 يحدد القواعد العامة للتهيئة و التعمير و البناء [43] الذي تضمن الشروط والضوابط العامة التي يجب إحترامها في ميدان البناء والتعمير، وكذلك المرسوم 91-176 المؤرخ في 28 ماي 1991 المحدد لكيفيات تحضير وتسليم شهادة التعمير ورخصة التجزئة والبناء وشهادات التقسيم والمطابقة ورخصة الهدم[44]
بالنظر إلى ما جاءت به النصوص القانونية المتعلقة بالتهيئة والتعمير يمكن القول أن المشرع الجزائري ورغبة منه في حماية البيئة قد وضع إجراءات صارمة تستطيع من خلالها السلطات الإدارية ممارسة رقابة واسعةوإتخاذ القرارات المناسبة ، المشرع من وراء هذا يهدف إلى ضبط المحافظة على الطابع الجمالي للعمران في إطار إحترام متطلبات البيئة والتوازن الإيكولوجي [45].
فبصدور القانون المتعلق بالتهيئة والتعمير 90-29 المعدل و المتمم بموجب القانون 04-05 [46] الذي يعد ركيزة أساسية لقانون التعمير الحديث إتضحت معالم المنظومة التشريعية العمرانية وأصبحت الجزائر
تمتلك آليات ووسائل قانونية لتسيير المجال العمراني [47] .
ومنه فبالرغم من الصلاحيات الواسعة التي تتمتع بها الولاية في مجال التهيئة والتعمير ورغم الترسانة الردعية وصرامة التقييدات التي وضعها القانون فإن التطبيق الميداني لايزال محدوداً حيث يتزايد يومياً وعلى مرآى من السلطات الولائية والبلدية عدد المباني المخالفة للقانون دون أي تدخل لهدمها[48]
كما أن واقع حال مدننا وأحيائنا وما يشهده من بناءات فوضوية تارة وبيوت أو أحياء قصديرية تارة أخرى يدل دلالة على عدم سيطرة وتحكم الأجهزة الإدارية المكلفة بالبناء والتعمير والولايات والبلديات في زمام الأمور، وهو يرجع إما لنقص الوسائل المادية والبشرية أو يرجع إلى إهمال وتقصير ولامبالاة من طرف الأجهزة المختصة لأن النصوص القانونية متوفرة فلا يبقى إلا مشكل التطبيق والتنفيذ فقط [49].
كما أن تصرف الجماعات المحلية في الواقع بالنسبة لهذا الأمر منبعه هاجس الخوف الذي ينتاب المسؤولين خوفا من أعمال الشغب التي تطبع في أغلب الأحوال هذه العلمية " عملية الهدم "[50] .
نستنتج في ختام هذا المطلب بعد تناول مجالات تدخل الولاية كهيئة إدارية غير ممركزة في حماية البيئة أن المشرع الجزائري أسند للولاية إختصاصات متعددة في مجال حماية البيئة سواء كانت في قانون الولاية أو القوانين الأخرى كالتهيئة والتعمير ،الصحة ، قانون الغابات وقانون المياه ...إلخ ، وهو ما يوحي لنا بأهمية العمل الملقى على عاتق هذه الهيئة التي تقتضي منها الحماية مباشرة التدخل السريع في الميدان وعدم إنتظار صدور القرارات البيروقراطية المركزية .
بيْد أنه لا يمكن تجاهل وإغفال الصعوبات والعراقيل التي تواجه الولاية وتعترضها في أداء مهامها تجاه حماية البيئة  وتأتي على رأسها العجز المالي الذي تعاني منه أغلب الولايات ما يجعلها تغلب الإنفاق في المجالات الأخرى غير حماية البيئة ،هذا المشكل الذي يطرح بحدة خاصة في الولايات البعيدة والشاسعة ، حيث تقل حصيلتها الجبائية نتيجة قلة النشاطات الإقتصادية ، حيث تكتفي بالتخصص المالي الذي يمنح لها من ميزانية الدولة .
كما يؤثر العجز المالي للولاية حتى على تشكيل فريق خبراء متخصصين في مختلف مجالات البيئة .[51] والذي تفتقده الولاية على مستواها حيث لايوجد في الوقت الحاضر إطارات متخصصة في مجال حماية البيئة بمختلف مجالاتها "غياب التخصص النوعي "،ناهيك أن الهيئات اللامركزية بوجه عام لاتتمتع بصلاحيات واسعة في تسييرشؤونها المحلية بل أن السلطات الهامة تبقى بيد الجهات المركزية ، ما يجعل السلطات اللامركزية عاجزة عن اتخاذ أي قرار أو خطوة في مسألة معينة ، كما أن غياب الوعي لدى المجتمع يصعب المهمة .[52]


[1]أنظر :نبيلة أقوجيل ، المرجع السابق ، ص 335 .
[2]أنظر : القانون 83-03 المتعلق بحماية البيئة ، المرجع السابق .
[3]أنظر : نبيلة أقوجيل ، المرجع السابق ، ص 335 .
[4]أنظر : عزوز كردون ، عزوز كردون، محمد الهادي ساحلي " البيئية في الجزائر – التأثيرات على الأوساط الطبيعية وإستراتيجيات الحماية " كتاب جماعي ، مخبر الدراسات و الابحاث المغرب و البحر الابيض المتوسط ، جامعة منتوري– قسنطينة 2001 ، ص 6 .
[5]انظر : المادة 7 من القانون 83-03 المتعلق بالبيئة ، المرجع السابق .
[6]أنظر : المادة 3 من القانون 83-03 المتعلق بالبيئة ، المرجع نفسه .
[7]أنظر : المادة 4 من القانون 03-10المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة ، المرجع السابق .
[8]انظر : المادة 19 من قانون03-10 ، المرجع  نفسه.
[9]انظر:المرسوم التنفيذي رقم 06-198 المؤرخ في : 31ماي2006 الذي يضبط التنظيم المطبق على المؤسسات المصنفة لحماية البيئة، ج ر ،عدد 37، مؤرخة في 04 جوان 2006 .
[10]انظر : المرسوم التنفيذي رقم 07-145 المؤرخ في : 19ماي2007 المتضمن مجال تطبيق ومحتوى و كيفيات المصادقة على دراسة و موجز التأثير على البيئة ،ج ر،عدد 34 المؤرخة في 22 ماي 2007.
[11]انظر : المادة 21 من قانون03-10 ، المرجع  السابق.
[12]انظر : المادة 25 من قانون03-10 ، المرجع  نفسه.
[13]انظر : المادة 101 من القانون 03-10  ، المرجع  نفسه.
[14]انظر : محمد لموسخ" دور الجماعات المحلية في حماية البيئة " ، المرجع السابق ، ص 149.
[15]انظر : القانون 05-12 المتعلق بالمياه المؤرخ في 04 أوت 2005 ،ج ر،عدد 60 مؤرخة في 04 سبتمبر2005 .
[16]أنظر : محمد لموسخ " دور الجماعات المحلية في حماية البيئة " ، المرجع السابق ، ص 150
[17]انظر : المرسوم التنفيذي رقم 94-279 المؤرخ في : 17-09-1994 يتضمن مكافحة تلوث البحر و احداث مخططات استعجالية لذلك ، ج ر ، عدد 59 مؤرخة في 21 سبتمبر 1994  .
[18]انظر : القرار المؤرخ في  06-02-2002 يتضمن تكوين لجنة تل البحر الولائية و كيفية عملها ، ج ر ، عدد 17 مؤرخة في 06 مارس 2002 .
[19]انظر :المادة 3 من القرار المؤرخ في : 06-02-2002، المرجع نفسه  .
[20]انظر : نورة موسى " حماية البيئة في اطار القانون 12-07 و القوانين الخاصة " مداخلة في الملتقى الوطني حول " دور الجماعات المحلية البيئة في اطار قوانين البلدية و الولاية الجديدين " يومي 3،4  ديسمبر 2012 ، مخبر الدراسات البيئية القانونية ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، جامعة 08 ماي 1945 قالمة ،غ م، ص 3 .
[21]انظر : عبد الحفيظ طاشور " الحماية الجنائية للثروة الغابية " ، المرجع السابق ، ص 7 .
[22] أنظر : خنتاش عبد الحق ، المرجع السابق ، ص 49
[23]انظر : طاشور عبد الحفيظ ،المرجع السابق ، ص 7 .
[24]انظر :رمضان عبد المجيد ،المرجع السابق  ، ص 102 .
[25]انظر : عبد الحفيظ طاشور "الحماية الجنائية للثروة الغابية " ،المرجع السابق ، ص10 .
[26]  أنظر القانون 84- 12 المؤرخ في 23 جوان 1984 المتضمن النظام العام للغابات ،ج ر ،عدد 26 مؤرخة في 26 جوان 1984معدل و متمم بموجب القانون 91- 21 مؤرخ في 02 ديسمبر1991 ،ج ر، عدد 62 المؤرخة في 04 ديسمبر1991 .
[27]أنظر : المادة 18 من القانون 84- 12 المتضمن النظام العام للغابات ، المرجع السابق
[28]  أنظر المرسوم 87- 44 المؤرخ في 10 فيفرى 1987 يتعلق بوقاية الأملاك الغابية الوطنية و ما جاورها من الحرائق ، ج ر ، عدد 07 مؤرخة في 11 فيفري 1987 .
[29]  انظر المادة 3 من المرسوم 87-44، المرجع نفسه
[30]  انظر المادة 20 من المرسوم 87- 44 ، المرجع نفسه .
[31]أنظر: المادة 19 من المرسوم 87-44 ، المرجع نفسه .
[32]أنظر : المرسوم 87-45 مؤرخ في 10 فيفري 1987 ينظم و ينسق الأعمال في مجال مكافحة حرائق الغابات داخل الأملاك الغابية الوطنية ، ج ر ، عدد 07 مؤرخة في 11 فيفري 1987 .
[33]أنظر : المادة 07 من المرسوم 87-45 ، المرجع نفسه  .
[34]أنظر : المرسوم التنفيذي 95-333 مؤرخ في 25 أكتوبر 1995 يتضمن إنشاء محافظة ولائية للغابات و يحدد تنظيمها و عملها ، ج ر ، عدد 64 مؤرخة في 29 أكتوبر 1995 .
[35]أنظر :عبد الحفيظ طاشور " الحماية الجنائية للثروة الغابية " ، المرجع السابق ، ص 40 .
[36]أنظر : نصر الدين هنوني " الوسائل القانونية و المؤسساتية لحماية الغابات في الجزائر " مطبوعات الديوان الوطني للأشغال التربوية الجزائر ، سنة 2001 ، ص 180
[37] أنظر : بوسماحة الشيخ " البيئة و الترقية العقارية " كلية الحقوق و العلوم السياسية جامعة إبن خلدون تيارت، متاح على الموقع ،manifest.univ-ouargla.dz /…/boussemaha..chikhwww.، ص 10
[38] أنظر : قانون 90-29 مؤرخ في 01 ديسمبر 1990، يتعلق بالتهيئة والتعمير ،ج ر، عدد52،مؤرخة في 02 ديسمبر 1990 المعدل و المتمم بالقانون 04-05 المؤرح في 14 أوت 2004 ، ج ر، عدد51 المؤرخة في 15 أوت 2004 .
[39] أنظر : منصور مجاجي " دراسة مدى التأثير على البيئة كأداة لحمايتها من أخطار التوسع العمراني في التشريع الجزائري " مجلة البحوث و الدراسات العلمية " جامعة الدكتور يحي فارس،عدد  03 " السنةديسمبر2009 ، ص15 . 
[40] أنظر : المادة 66 من القانون 90-29 ، المرجع السابق .
[41]أنظر : المادة 73 من القانون 90-29 ، المرجع نفسه  .
[42]أنظر : المادة 75 من القانون 90-29 ، المرجع نفسه  .
[43] أنظر : المرسوم التنفيذي 91-175 المؤرخ في 28 ماي1991 يحدد القواعد العامة للتهيئة و التعمير و البناء  ،ج ر، عدد 26، المؤرخة في 01 جوان 1991 .
[44] أنظر : المرسوم التنفيذي 91-176 المؤرخ في 28 ماي1991 يحدد كيفيات تحضير شهادة التعمير ورخصة التجزئة و شهادة التقسيم ورخصة البناء و شهادة المطابقة و رخصة الهدم و تسليم ذلك ،ج ر، عدد 26، المؤرخة في 01 جوان 1991
[45] أنظر : إبتسامبولقواس " الإجراءات الإدارية الكفيلة بحماية البيئة " مداخلة في الملتقى الوطني حول " دور الجماعات المحلية في حماية البيئة في ظل قانوني البلدية و الولاية الجديدين" يومي 3،4 ديسمبر 2012، مخبر الدراسات القانونية البيئية ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، جامعة 08 ماي 1945 قالمة ،غ م ، ص 17 .
[46] أنظر : القانون 04-05 ، المؤرخ في 14 أوت 2004 ، المعدل و المتمم لقانون 90-29 المتعلق بالتهيئة و التعمير ، ج ر، عدد 51 ، مؤرخة في 15 أوت 2004 .
[47] أنظر : حسينة غواس ، " الآليات القانونية لتسيير العمران " ، مذكرة ماجستيرفي القانون العام ، فرع الإدارة العامة القانون و تسيير الإقليم ، كلية الحقوق و العلوم السياسية ، جامعة منتوري قسنطينة، 2011-2012 ص 166 .
[48] أنظر : عبد الله لعويجي " قرارات التهيئة و التعمير في التشريع الجزائري"، مذكرة ماجستير ، قانون إداري و إدارة عامة، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر باتنة،2011-2012 ،ص 165 .
[49] أنظر : عبد الحق خنتاش، مرجع السابق، ص54 .
[50] أنظر : عبد الله لعويجي ، المرجع السابق ، ص165 .
[51]- الإدارة البيئية تتطلب مزيجا من علماء الطبيعة و الأحياء لإدارة الموارد الطبيعية و المتجددة و علماء إجتماع و إقتصاد لتعيين المشكلات و صياغة السياسات و مهندسين لتصميم الحلول و قانونيين لوضع التنظيمات
[52]أنظر : عبد الحق خنتاش ، المرجع السابق ، ص 41 .

Post a Comment

Previous Post Next Post