تاثير الايمان بان الله عالم الغيب والشهادة على سلوك الانسان
لو أنّ إنساناً يقف خلف حاجز، هذا حاجز يُغَيُّبُ عنه ما وراءه، أما الذي يقف أمام الحاجز فإنه يرى كل ما غيَّبه ذلك الحاجز، نقول هذا المكان غيبٌ بالنسبة لمن يقف وراء هذا الحاجز، أما الذي يرى من قبلُ ومن بعدُ فليس غيباً بالنسبة إليه، هذا كلام سوف ينفعنا كثيراً بعد قليل.
 عالم الغيب، الغيب بالنسبة إلينا، لا أحد من بني البشر يعلم الغيب، وقد ذكرت في بحث سابق أن الغيب أنواع.. نوعٌ من الغيب استأثر الله به، لا يُعْلِمُه أحداً من خلقه كائناً من كان.. من هذا الغيب موعد يوم القيامة، ومن هذا الغيب قيامة الإنسان الصُغْرى: الموت ولحكمةٍ بالغةٍ جداً أنّ الإنسان لا يعلم متى يموت، وهذا لصالحه، فلو علم تباطأَ بالتوبة وخسر الآخرة.. فكلُّ شيءٍ يغيب عن علم الإنسان هو غيب، لكن ربنا عالم الغيب والشهادة.
هناك أشياء يجب أن لا نتفاجأ بها لأن في عالم الغيب أيضاً قسمين:
1 - قسم استأثر الله بعلمه.
2 - قسم يمكن أن ينتقل من عالَم الغيب إلى عالَم الشهادة.
فمَن منا يعرف وجه القمر الآخر، فلما وصل العلماء إلى سطح القمر، و هبطت المركبة على الوجه الآخر والتقطت صوراً له، فهذا المكان انتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وهناك أشياء كثيرة تنتقل من عالم الغيب إلى عالم الشهادة حسب الاكتشافات العلمية والتقدم العلمي، وهذا لا يمنع أن نفاجأ بكشفٍ من قبل من عالم الغيب، فأصبح الآن في عالم الشهود قال الله تعالى:
﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾
(سورة الحشر الآية: 22)
قد يكون هناك أشياء بالنسبة إلينا من عالم الغيب، فالجن بالنسبة لنا من عالم الغيب، فقد أخبرنا الله بوجوده، أما الجن فبالنسبة لبعضهم هو مِن عالم الشهادة، أي إن هناك أشياء إذا قيست بالنسبة للإنسان فهي مِن عالم الغيب، وإذا قيست بالنسبة للجن فهي من عالم الشهود، فالعالَم الغيبي بعضه يمكن أن يصبح من عالم الشهود، وبعضه مما استأثر الله بعلمه وهو ما سيكون، أما الكائن فهو معروف.
     ديننا الإسلامي الحنيف يبعث على هدوء النفس.. واستقرارها وتهذيبها وتأديبها. وتؤدي العبادات جميعها قولاً وفعلاً إلى إحساس النفس بالراحة والرضا كما تؤدي إلى التخلص من مشاعر الإثم والذنب والقلق والتوتر والصراع والغضب والضيق والوهم والشك والريبة والكره والبغض
     ونحن نعيش هذا العصر نمط حياة ذات نظام معين بما فيه من أعباء وسرعة وتعقيدات وتوالي الاختراعات التكنولوجية وتقدمها بشكل مذهل فهذه أسباب بالطبع تركت آثارها على المجتمع وتسببت بلا شك في وجود اضطرابات نفسية يتعرض لها بعض الناس ويتعرضون للكثير من الضغوط الانفعالية والصراع النفسي. لذا ينتج عنها الإصابة بالمرض النفسي فإن الإيمان بالله تعالى وتوحيده وعبادته عامل أساس وهام في علاج المرض النفسي وتحقيق الصحة النفسية للإنسان. ويجعل الإنسان أكثر ثقة بنفسه وأكثر قدرة على الصبر والمصابرة وتحمل متاعب الحياة وعلى الشعور بالرضا والقناعة والطمأنينة
    ويساعد الإيمان بالقضاء والقدر الإنسان على تحمل ما قد يصيبه من مصائب الدهر فلاً يلوم نفسه ويؤنبها ويعنفها ولا يشعر بالحسرة واليأس والضغوط. قال تعالى:
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
    والإيمان بالله يدفع عن صاحبه كل مشاعر الخوف من أي قوة في هذه الحياة..
لأنه على ثقة أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله وشاء. قال تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}
(13) سورة الأحقاف
    والإيمان بالله يدفع بصاحبه أيضاً إلى الشعور بالرضا.. والقناعة لعلمه أن الأرزاق بيد الله تعالى وهو الذي قسمها وقدرها بين الناس.
     كذلك الإيمان بالله يساعد صاحبه على عدم الشعور بالخوف من فكرة الموت بعكس الإنسان الملحد الذي تؤدي فكرة الموت في نفسه إلى هاجس.. أو وسواس الموت من مجرد تردد فكرة الموت على ذهنه ويصبح الموت عنده شبحاً مفزعاً قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}  (8) سورة الجمعة
   والمؤمن يعلم أن ما يصيبه من سراء أو ضراء إنما هو مقدر من الله وابتلاء منه حتى يعلم سبحانه وتعالى من سيحمده.. ومن سيكفر فالمؤمن لا يجزع.
والدين الإسلامي الحنيف يقوم على إبعاد مشاعر الإثم والذنب وتأنيب الضمير ولوم الذات.. فالاستغفار وطلب المغفرة من شأن المؤمن في حالة ارتكابه خطأ.
قال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}
 (110) سورة النساء
المؤمن الصابر لا يجزع لما يلحق به من أذى، ولا يضعف أو ينهار إذا ألمت به مصائب الدهر وكوارثه.. والمؤمن يعلم أن ما يصيبه في الحياة الدنيا إنما هوابتلاء من الله ليعلم الصابرين منا.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (155) سورة البقرة




Post a Comment

Previous Post Next Post