إن المفهوم الحديث للتخطيط العمراني كعملية مركبة ذات متغيرات وأبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية ، يقوم على أساس وضع الخطط والتصاميم والقوانين التنظيمية المتعددة العناصر والوظائف ، التي تتضافر فيها جهود أهل الخبرة والاختصاص مع متخذي القرار ، من اجل التوجيه والتحكم بعملية التنمية العمرانية والمستوطنات البشرية القائمة ومعالجة مشاكلها على كافة المستويات القومية والإقليمية والمحلية ، وبما يخدم المجتمع وتوظيف موارده بالشكل الأمثل ، أو لتحقيق التنمية العمرانية والبشرية لمكان جديد .

وفي وقتنا الحاضر يعد وضع خطط وبرامج تنفيذ التخطيط الحضري من المقومات الرئيسية التي تتميز بها الدول التي تسعى إلى تطوير بيئتها العمرانية ، ومؤشرا حضاريا تسعى الدول من خلاله إلى المحافظة على أسباب رقيها ، وسبيل وصولها لتحقيق التنمية العمرانية التي تنشدها على الدوام للارتقاء بالمستوى المعيشي لأفراد المجتمع .

ويجب أن تكون عملية مراقبة وضبط هذه التنمية والتحكم بها وفقا لقوانين ونظم ومعايير وأسس ثابتة من حيث المبدأ ، ومتغايرة ومرنة في التفاصيل التنفيذية ، وتقوم التشريعات التخطيطية بهذا الدور ، لضمان الوصول بالإنسان إلى أرقى صور العيش الرغيد والحياة الكريمة وعلى أساس من المساواة والعدالة الاجتماعية ، وعلى درجة عالية من الكفاءة في ممارسة مختلف أوجه النشاط العمراني ضمن المجتمع الواحد .

كما ظهر في أواخر القرن العشرين مفهوم الاستدامة ، الذي اصبح ملازما لاصطلاح التنمية الحضرية أو التخطيط الحضري ، ومفهوم الاستدامة ينطلق من خلال توفير البيئة الحضرية الآمنة للأجيال الحاضرة ، دون المساس بحق الأجيال المستقبلية أيضا، في الحصول على بيئة حضرية مماثلة ، من خلال عدم استنزاف الموارد الطبيعية غير المتجددة ، والمحافظة عليها لخدمة الأجيال اللاحقة .

ويأتي دور التشريعات العمرانية ليجسد مبادئ التنمية المستدامة ويعتبرها موجها وأساسا لكل أنواع التنمية الحضرية لدى الدول المتقدمة ، ولكي يضمن تنفيذها بالشكل الأمثل والأكمل .
وتعتبر التشريعات التخطيطية أو التشريعات المنظمة للعمران كما يطلق عليها البعض في وقتنا الحاضر من الأدوات الأساسية والمؤثرة في مستوى تحضر الدول ، وذلك لما تفرضه من ضوابط ومعايير تهدف إلى الارتقاء بالمستوى العمراني ، وبما يحقق الأغراض التنموية المختلفة .

إن العمران الحقيقي يبدأ من فكر الإنسان وتنمية وعيه بقيم الحقوق و الواجبات العمرانية ، ولو فُقدت هذه الأحكام والمبادئ لأصبحت مهمة العمران من مفاسد الأرض وجلب الظلم وانتهاك حقوق الأفراد
وهذا ما قصده ابن خلدون في قوله : "إن الحضارة مفسدة للعمران"  من حيث وصولها إلى مرحلة النزوع نحو الإسراف والترف والمطاولة بالعمران ، والمنافسة على تسخير المجتمع نحو مشاريع فردية كقصور وإيوانات ومقابر، وهذا ما كان عليه الحال  بالنسبة لفراعنة مصر أو أكاسرة الفرس أو قياصرة الروم ، مما يؤدي إلى فساد الأخلاق ، وتمزق المجتمع ، وذهاب ثروته نحو طبقة متفردة تنتهي بها الدول ) [1] .

وعلى الرغم من أن الكثير من الدول تقوم على مجموعة من النظم والقوانين التي تشمل أكثر فروع القانون الرئيسية ( كالقانون المدني والإداري والتجاري وغيرها ... الخ ) إلا أن بعض الدول تفتقر إلى المنظومة التشريعية التي تشكل المرجعية القانونية للتنظيم والتحكم بعملية التخطيط العمراني بكافة مستوياتها مستوياتها ومراحلها  .

وتقوم عملية التخطيط العمراني في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة على أسس ومقومات علمية ومنهجية وخبرات متميزة ورائدة في هذا المجال ، وذلك من خلال قيام حكومة دبي متمثلة بإداراتها المحلية بمسؤولياتها الكاملة في إدارة التنمية العمرانية التي تحقق رؤية وتطلعات حكومة دبي
ولكن من الملاحظ أن هناك ضعف في الإطار التشريعي والقانوني وعدم شمولية القواعد القانونية واللوائح التنفيذية التي تتحكم بإدارة وتنفيذ عملية التخطيط العمراني ، وعدم وجود قانون شامل ومتكامل للتخطيط الحضري على غرار الكثير من دول العالم المتحضر


[1] - مسفر بن علي القحطاني / المدخل إلى فقه العمران - بحث منشور على موقع الإسلام اليوم

Post a Comment

Previous Post Next Post