تعريف علم النفس التربوي وتحديد مجاله ومواضيعه:
علم النفس التربوي من العلوم الحديثة النشأة غير أنه مثل علم النفس (الذي هو فرعا منه) له ماض طويل يمتد إلى الفلسفات القديمة متوغلا في فلسفة التربية. ويعد جوهن فردريك هيربارت (HERBART, Johann Friedrich) (1776-1841) الفيلسوف والبيداغوجي الألماني أول مبشر بهذا العلم عندما حاول أن يستشف من علم النفس المبادئ التي كانت تبدو له ذات قيمة في التربية والتعليم، فيرفض النظريات التي تدافع عن فكرة التمييز بين القدرات (الملكات) العقلية ويقترح فكرة أن كل الظواهر العقلية أساسها التفاعل بين الأفكار الأولية. فحسبه الطرق والنظم التربوية يجب أن تؤسَّس على علم النفس والأخلاق: علم النفس يساعد على توصيل المعارف الأساسية،         والأخلاق لتحديد الهدف الاجتماعي للتربية، من مؤلفاته الأساسيةle Manuel de psychologie (1816). ومن قبله كومنيوس (E.A.COMENIUS) (التشيكي) (1592-1670، وبستالوزي  (Pestalozzi, Johann Heinrich (1746-1827، وفروبل (Friedrich Fröbel) ((1782-1852 وروسو (Rousseau, Jean-Jacques) ((1712-1778 وغيرهم، غير أن نظرية الملكات كانت هي المسيطرة على بدايات علم النفس التربوي التي تعود في أصولها إلى الفلسفة اليونانية وفلسفة العصور الوسطى التي كانت ترى أن العقل الإنساني يتألف من قوى مستقلة كالذاكرة و الإرادة و الانتباه التي تؤدي إلى حدوث مختلف الأنشطة العقلية.
    إذا كان علم النفس التقليدي يرى أن الطفل راشدا صغيرا فإن علم النفس الحديث يخالف ذلك ويراعي خصوصية الأطفال وطبيعتهم الإنسانية وميولاتهم الخاصة ويرى بأن الطفل يفكر ويتخيل بعيدا عن سمات الراشد وخصائصه. وإذا كان علم النفس التقليدي يُعرف بعلم نفس الملكات أي ينظر إلى التكوين العقلي للإنسان على أساس الملكات، فإن لعلم النفس الحديث عكس هذه الرؤية التقليدية إذ يفسره على أنه طاقة دينامية واحدة.
ويستبدل مفهوم التعلم كعملية آلية ميكانيكية بمفهوم أكثر ديناميكية يكون فيها التعلم معتمدا على استجابات الطفل والاهتمام بنشاطه.
فضل هيربارت يعود إلى الربط المباشر بين الممارسة التربوية والمبادئ النفسية التي صاغها. ويرى أن العقل كينونة وجدانية ينمو ويتطور ويكتسب ملامحه عبر عملية الاتصال الحسي مع العالم الخارجي، ويحدد هيربارت مصدرين أساسيين لتكوين المعرفة عند الإنسان هما:
    - تفاعل الإنسان مع الطبيعة.
    - تفاعل الإنسان مع الوسط الاجتماعي.
والوظيفة الأساسية للتربية عند هيربارت هي أنها تمد العقل بالأفكار والتجارب.
رغم إسهامات هذا العالم وغيره في ترسيخ علم النفس التربوي وتحديد معالمه بين العلوم الأخرى فإنه في الواقع (علم النفس التربوي) كعلم تجريبي مستقل عن الفلسفة ظهر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد ادوارد ثرندايك (Thorndike, Edward Lee) (1874-1949) الأمريكي الذي ألف أول كتاب له حول هذا الموضوع عام 1903 تحت عنوان "علم النفس التربوي" (Educational Psychology) » ولم يبدأ هذا العلم في اتخاذ صورة واضحة إلا منذ عام 1920 وقد تتابعت الاهتمامات والمؤلفات والبحوث الأكاديمية حول هذا العلم، وأنشئت المعامل والمختبرات الخاصة به، وظهرت المجلات المتخصصة لمعالجة موضوعاته، وعقدت المؤتمرات العلمية التي أسهمت في تحديد طبيعته، إلى أن أصبح هذا العلم من المقررات الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين في كليات ومعاهد التربية بمختلف أنواعها ومستوياتها... وبدأ الاهتمام يتحدد ويزيد بعلم النفس التربوي في الثلاثينيات من هذا القرن، حيث تم تحديد موضوع سيكولوجية المواد الدراسية كالقراءة والحساب وانتشرت أبحاث كثيرة في طرق  التدريس، وفي الأربعينيات تطور هذا الفرع نتيجة تأثره بالمفاهيم الإكلينيكية المشتقة من ميدان الطب العقلي والعلاج النفسي، حيث زاد الاهتمام بمشكلات التوافق والتكيف والصحة النفسية للطالب. وفي الخمسينيات زاد الاهتمام بعمليات التعلم داخل غرفة الصف والعلاقات بين الطلبة أنفسهم من جهة أخرى.« ([1])
علم النفس التربوي المعاصر استفاد من نظريات التعلم ومن البحوث والاستكشافات العلمية والتجريبية المختلفة في كل الميادين: حول  النمو وعلم الاجتماع ومن الأبحاث والنظريات المتناقضة في بعض الأحيان لمختلف المدارس: السلوكية والغشطالطية والمعرفية وغيرها ومن مختلف البحوث العلمية من ميادين بحث مختلفة خاصة في عصرنا الحالي.
فالمعرفة الشمولية والدقيقة لمراحل تطور الحياة النفسية عند الأطفال والمراهقين مثلا و المعرفة المعمقة والعلمية لبعض القضايا والموضوعات النفسية، و معرفة المعطيات البيولوجية التي تتصل بمراحل نمو الطفل والترابطات النفسية والتصورات التي تتصل بطرق التفكير مثلا كلها و غيرها ساعدت على بلورت و استقلال و إثراء علم النفس التربوي.
لم يعد في الواقع مجرد تطبيقا لنظريات التعلم وسيكولوجية النمو أو مزيجا من النظريات وسيكولوجية التعلم والقياس النفسي والتربوي بل له كيانه » ويعود الفضل في ذلك إلى استخدام العلماء لغة الأنساق أو المنظومات Systems، ويقصد بالمنظومة مجموعة من العلاقات المنظمة المتداخلة التي تربط بين أجزاء متفاعلة يتكون منها كل أو نمط يؤدي وظيفة معينة. وقد يكون تصور العملية التعليمية كمنظومة والذي اقترحه روبرت جليزر منذ عام 1962 أكثر التصورات شيوعا.«[2] وتتألف هذه المنظومة من العناصر التالية: الأهداف التربوية، المدخلات السلوكية،    عمليات التعلم، والتقويم التربوي، كما يوضحه الشكل الموالي:

الشكل رقم (1) المنظومة الأساسية للعملية التعليمية كما اقترحها روبرت جليزر


وهذه العناصر هي المكونات الأساسية لموضوع علم النفس التربوي. ولو اعتمدنا على هذا النسق في عملية التعلم لقلنا أن أي أستاذ مهما كانت مادته المدرسة وحتى يستغل وقته ويحقق أهدافه التعليمية، عليه أن يعتمد في تدريسه أو بالأحرى في كل حصة من حصصه التعليمية على هذه العناصر ويتساءل قبل تصميم الدرس أو الوحدة التعليمية وأثناء تنفيذها ما هي الأهداف المرجوة من هذه الحصة أو الوحدة؟ ما هي الكفاءات التي  يجب إحداثها أو تثبيتها عند كل متعلم؟ ما هو السلوك المُتعلم الذي يجب أن أعلم المتعلم إياه؟ ما هي التغييرات الايجابية الواجب إحداثها عند كل متعلم؟... ما هو أو ما هي السلوكات أو الكفاءات التي هي بحوزة كل متعلم؟ ماذا باستطاعة المتعلم أن يفعل الآن قبل أن أقدم له الدرس؟ ماذا أفعل حتى أستطيع أن أحدث التغيرات المرجوة في سلوك كل متعلم؟ ما هي الطرق والوسائل التي  أستعملها حتى أصل إلى الأهداف في أسرع وقت ودون جهد كبير مثلا سواء للمتعلم أو لي كمعلم؟... كيف أعرف أن هناك تغير ايجابي في سلوك المتعلم؟ ما هي الوسائل والعلامات التي  تدل أن المتعلم قد أصبحت لديه كفاءات جديدة بإمكانه توظيفها في مواقف تعليمية جديدة؟ كيف أعرف أنني حققت الأهداف التي سطرتها من قبل؟ أي ما هي المخرجات السلوكية؟...
  ا- تعريف علم النفس التربوي:
     لتوضيح مصطلح "علم النفس التربوي" تعددت التعريفات وذلك لتعدد الزوايا التي يُؤخذ منها هذا العلم ولتعدد كذلك تعريفات العبارات المكونة لهذا المصطلح: "علم"، "النفس"، "التربية". هذه العبارات التي تعددت معانيها بتعدد العصور والمدارس والفلسفات (ولا نريد في هذا المجال التعمق في هذه العبارات).
لقد كان هناك جدل كبير حول ماهية هذا العلم، فإذا كان البعض يرى هذا العلم كمبدأ التطبيق في ميدان التربية والتعليم، أي في غرفة الدراسة، للمعارف والطرائق والأساليب النفسية والنظريات التي توصل إليها علم النفس، فإن البعض الآخر يرى أن علم النفس التربوي له ميدانه المتميز بنظرياته ومناهجه البحثية ومشكلاته وأساليبه الخاصة، وعلى هذا الأساس فمن بين اهتماماته الأساسية نجد:
-       فهم عملية التعلم والتعليم
-       تطوير طرائق لتحسين هذه العمليات.
وإذا أعطينا تعريفا له في إطار علم النفس نقول أنه الدراسة العلمية للسلوك الإنساني خلال مختلف العمليات التربوية.
ولقد عرف ديفيد أوزبول وروبرسون علم النفس التربوي، بأنه مجموعة العلاقات المشتقة تجريبيا أو منطقيا بين العوامل والمتغيرات في الموقف المدرسي والنواتج المرغوبة كما تقاس بمؤشرات السلوك العقلي.
ويعرفه ديبوا (Dubois) فيقول: علم النفس التربوي من العلوم النظرية التطبيقية التي تحاول فهم ما يجري في المدرسة وفي غرفة الصف، وفهم أسباب حدوثه.
كما يُعرف » بأنه علم تجريبي يدرس سلوك المتعلم خلال ممارسته لعملية التعلم.« ([3])  
يعرفه ويترك (Wittrock) على أنه العلم الذي يدرس مشكلات التربية وحلها من خلال مفاهيم ومبادئ علم النفس المختلفة.
يعرفه كيج وبيرلينر (Gage &Berliner) على أنه دراسة التعلم والتعليم والمدرسة وما يرتبط بها من عمليات باستخدام مفاهيم ومبادئ علم النفس.
ويعرفه برونر (Bruner) على أنه الدراسة العلمية للسلوك الإنساني في المواقف التربوية، أي أنه العلم الذي يربط بين علم النفس والتربية.([4])
من خلال هذه التعريفات يتضح لنا أن هذا العلم الجديد هو أحد ميادين علم النفس النظرية والتطبيقية التي تُعنى بالمتعلم في كل جوانبه العقلية النفسية الاجتماعية التربوية وتسخيرها لفهم وتوجيه واستغلال التعلم والتعليم.

 ب- تحديد مجال علم النفس التربوي ومواضيعه:
لتحديد موضوعات علم النفس التربوي قام  مثلا "يال" عام 1971 بمسح للمؤلفات في هذا المجال (مائة كتاب) وحلل محتواها فوجد أكثر الموضوعات تكرارا:
-       النمو في مختلف جوانبه الانفعالي والمعرفي والاجتماعي والفسيولوجي.
-       عمليات التعلم ونظريات التعلم وطرق التدريس وتنظيم الموقف التعليمي.
-       القياس والتقويم: بناء الاختبارات التحصيلية وشروطها...
-       التفاعل الاجتماعي: بين التلاميذ أنفسهم وبين التلاميذ والمعلمين.
-       الصحة النفسية للفرد والتوافق النفسي والمدرسي.
المتمعن في الموضوعات التي يهتم بها هذا العلم يجدها متنوعة ومتناثرة، لكن في جوهرها تدور حول واقع المشكلات التي تواجه المعلم أثناء أداء مهمة التعليم والتدريس سواء تعلق الأمر بالمعلم نفسه أو المتعلم أو المادة المُعلمة وظروف التدريس، هي مواضيع تدور حول مختلف عناصر المنظومة كما هو في الشكل (1). و يتحدث ديبوا عن مختلف موضوعات علم النفس التربوي الذي يعتبره فرعا من فروع علم النفس التطبيقي فيحصرها في العوامل والمتغيرات التي  تساعد على فهم السلوك وضبطه والتنبؤ به في إطار المواقف التعلمية والتي يحددها في الجوانب التالية:
-       خصائص المتعلم وطبيعة الفروق الفردية.
-       مشكلات الطفل التطورية ذات العلاقة بالسلوك المدرسي والتوافق والدافعية.
-       استراتيجيات تخطيط وتنفيذ العملية التعليمية التعلمية.
-       استراتيجيات تصميم الاختبارات وقياس السلوك. 
غير أننا يمكن تلخيص موضوعاته وقضاياه في ما يلي:
      1. خصائص المتعلم النمائية: وهي دراسة مراحل النمو الإنساني في مظاهره المختلفة (المظهر النفسي- الحركي، الوجداني، وخاصة المعرفي) والعوامل المؤثرة فيه قصد توظيف هذه الخصائص النمائية في عملية التعليم والتعلم لتطوير القدرات الفردية (مع مراعاة الفروق الفردية).
      2. عملية التعلم: ويتناول جميع جوانب السلوك الإنساني (السلوك الإدراكي، المعرفي، الإجتماعي، النفسي- الحركي...)، معرفة كيفية حدوث التعلم وقوانينه وشروطه والعوامل المؤثرة فيه.
      3. دافعية التعلم: وهي المحرك الأساسي لحدوث عملية التعلم، أي معرفة الظروف البيئية المناسبة والمساعدة على إحداث التغيرات الايجابية المرجوة في سلوك أي متعلم.
      4. الفروق الفردية بين المتعلمين: نظرا لاختلاف العوامل المؤثرة في النمو (العوامل البيئية (الطبيعية والاجتماعية) والوراثية)، فإن الفروقات الفردية تعد شيئا طبيعيا، إذ نجد اختلافات جوهرية بين المتعلمين من حيث القدرات العقلية والانفعالية والنفسية- الحركية وغيرها. فعلم النفس يأخذ بعين الاعتبار هذه الفروقات الفردية في تصميم المادة المُتعلمة وطريقة عرضها من طرف المعلم.
    5. قياس و تقويم عملية التعلم: من أجل معرفة مدى تحقيق الأهداف ونجاعة الطريقة وملاءمة المادة للمتعلم، كان التقويم من أهم الموضوعات التي يهتم بها علم النفس التربوي.
    6. بيئة التعلم: فالظروف العامة التي يحدث فيها أي تعلم تعتبر كذلك أساسية: فالمحيط الفيزيائي والبشري أي غرفة الدراسة والعلاقات بين المتعلمين والمعلمين والإدارة المدرسية ومختلف عمليات الاتصال من المواضيع التي يهتم بها هذا العلم نظرا لتأثيرها على التعلم. هي مجالات مختلفة يهتم بها علم النفس التربوي، هذه المجالات يحددها سيفرت وكليفن (Seifert &Klevin) في أربع مجالات كما هو مبين في الجدول الموالي([5])  رقم (1).

الجدول رقم (1) مجالات علم النفس التربوي و موضوعاته

المجال الموضوعات
التطور و النمو        - المعرفي    – الأخلاقي   - الجسدي
- اللغوي الاجتماعي   - الانفعالي     -...
التعليم و التعلم - التخطيط الصفي    إدارة الصف و ضبطه
- تعليم التفكير   – نظريات التعلم (السلوكية، المعرفية، الاجتماعية، التكاملية...)
الدافعية للتعلم  - دور الدافعية في التعلم و وظائفها،
 - نظريات الدافعية (الإنسانية، الإجتماعية، المعرفية، التحليلية...)
التقويم - مختلف التقويمات(التقويم التشخيصي، البنائي، الانتقائي...)

2- أهداف علم النفس التربوي
     مثل باقي العلوم يهدف علم النفس التربوي إلى الفهم ثم التنبؤ ثم ضبط السلوك أو الظواهر التربوية (موقف تعليمي تعلمي). وفهم الظاهرة يعتمد أساسا على وصف العلاقة بين الظاهرة المراد دراستها والظواهر الأخرى المؤثرة فيها اعتمادا على المسلمة السببية أن لكل ظاهرة طبيعية أسباب، الفهم في جوهره هو تساؤلات في البداية نحاول الإجابة عنها "كيف؟"و"لماذا؟" يحدث السلوك. والفهم يساعد على التنبؤ أي توقع حدوث الظاهرة: وهو احتمالي وليس حتميا وقوع الظاهرة اعتمادا كذلك على مسلمة الاضطراد إذ هناك استقرار نسبي في الظواهر الطبيعية. والتنبؤ هو كذلك محاولة الإجابة على تساؤلات "ماذا يحدث؟" و"كيف  يحدث؟" هذا الفهم، وهذا التنبؤ يساعد على ضبط الظاهرة أو التحكم فيها: فمعالجة أسباب الظاهرة يجعلها تحدث أو لا تحدث. أي القدرة على التحكم في بعض العوامل أو المتغيرات المستقلة المعروفة (التي تعرفنا عليها) التي تسهم في إحداث الظاهرة (السلوك، الكفاءة، مخرجات العملية التربوية...) رغم أن الضبط في هذا المجال ليس من السهل الوصول إليه بسبب تنوع وتغير وتفاعل الأسباب أو المتغيرات التي تسهم  في إحداث الظاهرة العلمية التربوية.
في الواقع فالهدف الأساسي هو تطوير وتطبيق أسس علم النفس العام من أجل تطوير العملية التربوية واستغلالها والاستفادة منها. فمن وراء نشاطه العلمي يهدف إلى الوصول إلى المعرفة التي تمكنه من تفسير العلاقة الموجودة بين المتغيرات التي هي بمثابة السلوك في المواقف التربوية والعوامل المختلفة المؤدية إلى حدوث هذا السلوك.

 3- فوائد علم النفس التربوي للمعلم:
حتى وإن دار الجدل حول مهنة التدريس هل يمكن اعتبارها فن وموهبة تصقل من خلال الخبرة أم هل يمكن اعتبارها مهارات يكتسبها المعلم من خلال الممارسة؟ بمعنى آخر هل يكفينا أن نكون حاملين لشهادة حتى نستطيع التدريس أم يجب أن تكون لدينا استعدادات أولية قبل الولوج في المهنة؟ فان معرفة الفرد لمفاهيم علم النفس التربوي ونظرياته ومبادئه المختلفة قبل ممارسة المهنة ضرورة لتحضير المعلم والأستاذ لهذه المهمة وتبصيرهم بالمهنة إن اعتبرنا التدريس مهنة من المهن.
هذا العلم يعتبر من المواد الأساسية واللازمة لتدريب المعلمين وكل من يشتغل في ميدان التربية والتعليم لتأهيلهم لأنه يزودهم بالأسس والمبادئ النفسية التي تتناول طبيعة المتعلم من جهة والتعلم المدرسي من جهة أخرى وحتى المعلم ذاته. هذا يأتي من منطلق الإيمان الجازم بأن علم النفس التربوي يمكن اعتباره ضرورة ملحة وثقافة تربوية تفيد فائدة كبيرة في النهوض بالتعليم والمجتمع بصورة عامة إذ يعين على اكتشاف الفرد لنفسه والتعرف على القدرات والميولات والكفاءات والدوافع والحاجات والأغراض سواء عند المعلم والمتعلم ويميز بين السوي والشاذ مثلا من أجل تحسين عملية التعليم والتدريس، وتبيان كيف يتعلم الفرد وتحديد مساره وسلوكه  بل وحياة المجتمع برمته.
        إن غياب علم النفس التربوي من ساحة تكوين المعلم سيؤدي بهذا الأخير إلى اللجوء أثناء أدائه لمهامه إلى الاستعانة بالطرق التقليدية التي تعلم بها وسوف لن يعامل التلميذ الذي هو أمامه إلا مثل التلميذ الذي هو "بداخله"، أي سيتبع الطريقة التي عومل بها أثناء تعلمه، واستمرار الطريقة لا يعني بالضرورة صحتها. أو أن يلجأ إلى المحاولة والخطأ في آداء مهنته وهو عمل عشوائي. وما نود الإشارة إليه هو أن هذا العلم ليس طريقة سحرية تأتينا بكل الحلول للمشكلات التربوية التي تصادفنا. فعلم النفس التربوي حتى وإن جاءنا بمعلومات حول المبادئ العامة للنمو وأعطانا طرق التدريس الناجعة واقترح علينا الحلول لذوي القدرات الخاصة، فإن على صاحب المهنة فهم واجباته المهنية ومتطلباتها وأن يعمل على تطوير ذاته وتزويدها بكل الوسائل التي تمكنه من      التوافق المهني.  ورغم كل شيء فأهميته يمكن تلخيصها في بعض النقاط منها:
    - استبعاد المفاهيم الخاطئة حول التعلم والتعليم والنمو والذكاء... أي تزويد المعلم بالأخبار والمعلومات والمعارف والأسس التربوية حول سلوك المتعلم وخصائصه في الأوضاع التعليمية المختلفة.
   - إكساب المعلم المبادئ والمفاهيم والنظريات النفسية المختلفة في مجالات التعلم والنمو والدافعية مثلا لفهم عمليات التعلم والتعليم والتقييم والاستعانة بها في آداء مهامه المختلفة وإبعاد العشوائية في العمل.
   - مساعدة المعلم على التعرف على مدخلات ومخرجات التعلم أي معرفة القواعد العامة للتعليم: الخصائص العامة للمتعلم (القدرات العامة للمتعلمين قبل بداية التعلم) والكفاءات الواجب إكسابها للمتعلم مثلا في نهاية التعلم وحل المشكلات.
   - مساعدة المعلم وتدريبه على التفسير العلمي لمختلف أنماط السلوك الصادرة عن المتعلم (مختلف السلوكات داخل الصف الدراسي وحتى  خارجه)، وبالتالي الفهم الحسن للعملية التربوية والتعليمية.
   - التنبؤ بالسلوك وتحديد مساره وضبطه وذلك بإلمام المعلم بالعوامل المرتبطة بالنجاح أو الفشل (كطرق التعليم ووسائله، الدافعية والجو الانفعالي المصاحب للتعلم، الظروف البيئية والاجتماعية والوراثية).
هي كفاءات يطورها المعلم من خلال اطلاعه على المبادئ العامة لعلم النفس التربوي ومن خلال الممارسة الميدانية التي سوف لا محالة تزيد من مهارات التدريس التي على كل معلم تطويرها. 

مواضيع ذات صلة 
 


علم النفس التربوي
علم النفس التربوي
مواضيع في علم النفس التربوي
اهمية علم النفس التربوي
علم النفس التربوي للاطفال
ملخص علم النفس التربوي
اهداف علم النفس التربوي
علم النفس التربوي
نظريات علم النفس التربوي



[1]- صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة-عمان، الطبعة الأولى، 1998. ص.18.19.
[2]- صالح محمد علي أبو جادو المصدر أعلاه ص. 19  
[3] - ينظر صالح محمد علي أبو جادو المصدر أعلاه ص.23.  
[4]- ينظر عدنان يوسف العتوم وآخرون، علم النفس التربوي: النظرية و التطبيق، عمان، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الطبعة الأولى، 2005. ص. 20.19.  
[5] - ينظر عدنان يوسف العتوم و آخرون، علم النفس التربوي: النظرية و التطبيق، مصدر أعلاه، ص. 25  

Post a Comment

Previous Post Next Post