يمكن تعريف العبادة في الإسلام بأنّها: كل سلوكٍ إيجابي يُقصد به التقرب إلى الله تعالى. وعليه فالعبادة في الإسلام شاملة. جاء في الحديث الصحيح:" تبسّمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة".
أما المفهوم الخاص للعبادة في الإسلام فهو المتبادر إلى الأذهان عند سماع كلمة عبادة، وهو يقتصر على الشعائر التعبديّة، مثل: الصوم، والصلاة، والزكاة، والحج، وذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والدعاء.
والمتدبر للعبادة بمفهومها الشامل يدرك أنّ الله تعالى قد تعبّدنا بمصلحتنا، بمعنى أنّ الله تعالى قد جعل مصلحة الإنسان فرداً ومجتمعاً عبادة له، وأثاب على رعايتها وتحقيقها، وعاقب على التفريط بها وتضييعها.
فالله تعالى لا يحتاج إلى عبادتنا، بل نحن الذين نحتاج إلى عبادته لتتحقق مصالحنا الدنيويّة قبل الأخرويّة. ومن فضله سبحانه وتكريمه لنا أنْ جعل تحقيق مصالحنا عبادة له ونسبها إلى نفسه سبحانه تعظيماً لها.
والعبادة بمفهومها الخاص هي برنامج تربوي يهدف إلى:
1.    تزكية النفس البشريّة والارتقاء بها، وترقية الجانب الروحي في الإنسان وتلبية أشواقه الروحيّة.
2.    تقوية صلة الإنسان بربه.
3.    تحقيق الاطمئنان القلبي والاستقرار والتوازن النفسي.
4.    تعزيز الأخلاق وحمايتها من الانحراف.
5.    خلق الترابط الاجتماعي بين افراد المجتمع.
6.    تعزيز العقيدة في النفس، فالفكرة التي لا تعمل تموت.
7.    التذكير الدائم للإنسان بحقيقة وجوده ووظيفته وموقعه في الوجود.
8.    تقوية قدرة الإنسان على مواجهة الشدائد والمصائب.[1]

خصائص العبادة:
من أبرز خصائص العبادة في الإسلام:

1.  الشمول والعموم:
فهي تتعلق بكل تصرفات العباد، وتشمل كل نشاط، ويُخاطب بها كل مكلّف. ولا توجد خصوصيّة لبعض فئات أو طبقات المجتمع كما هو الأمر في الأديان الأخرى في الأرض، حيث يُطلب من رجال الدين ما لا يُطلب من عامة الناس. واختصاص رجل الدين ببعض طقوس العبادة يجعله في نظر الناس صاحب سلطان وتسلّط ديني يصل أحياناً إلى حد إسباغ البركة وقبول التوبة.

2.    لا واسطة بين العبد والرب:
جاء في الآية 186 من سورة البقرة:" وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيبُ دعوةَ الداع إذا دعان...". وعقيدة التوحيد الخالص تحارب الواسطة لأنّها نوع من الشرك بالله. وقد نعى القرآن الكريم على المشركين عبادتهم للأصنام كواسطة تقربهم إلى الله، فقد زعموا بأنّ عبادة الأصنام تقرّبهم إلى الله تعالى فقالوا: " وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" (الزمر: 3). والمتدبّر للقرآن الكريم يلاحظ أنّ عبادة الأصنام عند الأمم السابقة كانت في حقيقتها عبادة للأجداد والعظماء والملوك وكبار الكهنة... والملاحظ أنّ القرآن الكريم يتحدث دائماً عن الأصنام باعتبارها رموزاً لأشخاص من العقلاء، انظر قول المشركين:" وما نعبدهم"، فلم يقولوا: "وما نعبدها"، حيث أنّ الضمير (هم) يُستخدم للعقلاء.
معروف في المسيحيّة أن التوبة تحتاج إلى اعترافٍ أمام القسيس. وقد أدّت مثل هذه العقيدة إلى سيطرة وتسلّط رجال الدين، ووصل الأمر بهم إلى حد إعطاء صكوك للغفران. وبإمكاننا أن نتصور سلطة قسيس في قرية ما يعترف أمامه كل البالغين من أهلها رجالاً ونساءً.
أما في اليهوديّة فتظهر سلطة رجال الدين باعتبارهم واسطة بين العبد والرب. ولنأخذ مثلاً على ذلك بعض طقوس التهوّد، فإذا رغبت امرأة في اعتناق اليهوديّة فلا بد من إجراء طقوسٍ للتهوّد، ومن هذه الطقوس أن يجلس الحاخامات حول بركة ماء ثم تأتي المرأة التي تريد أن تعتنق اليهوديّة وتتجرد من كافة ثيابها وتغطس في الماء وتخرج.
وفي العقيدة البوذيّة من أراد أن يتوب يقوم بالذهاب إلى المعبد ومعه هدية لتقديمها إلى الكاهن الذي يشرف على طقوس التوبة. وبعد تقديم الهديّة يقوم الكاهن بتحديد كيفيّة التوبة، وغالباً ما يرتبط ذلك بالقيمة الماديّة للهدية التي يقدمها التائب للكاهن، فتكون التوبة سهلة في حال كون الهدية نفيسة، وتكون التوبة صعبة، بل وأحياناً مؤذية، في حال كون الهديّة زهيدة الثمن.

3.    العبرة في العبادة بالنية:
جاء في صحيح البخاري عن الرسول، عليه السلام:" إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى"، فلا بد أن تكون العبادة خالصة لله تعالى. والإخلاص من أعمال القلوب. وقبول العمل أو عدم قبوله يتعلق بالدرجة الأولى بالنية التي تدفع الشخص إلى العمل. من هنا كان الإشراك في العبادة مُحبطاً للعمل. وتُعتبر النيّة ركناً أساسياً في صحة العبادة.
وينبغي التنبيه هنا إلى أنّ النيّة المطلوبة لصحة العمل هي الإرادة والقصد الداخلي، أمّا اللفظ فلا يُطلب في العبادة، بل إنّ التلفظ بالنيّة هو بدعة عند بعض الفقهاء. فالمطلوب إذن النية وليس التلفظ بالنيّة، ففي صيام رمضان، مثلاً، لا نقول: "نويت أن أصوم"، بل فقط نعزم في داخلنا على الصيام.

4.    لا يُعبَد الله إلا بما شرع:
أي أنّ الشرع هو الذي يُحدد لنا كيفيّة أداء العبادة، وكيفية التقرب إلى الله تعالى. وإذا كان الابتداع يُقبل في المباحات، فإنّه لا يُقبل في الفروض والواجبات والسنن، لأنّ الشريعة هي التي تُحدد معالم وشروط وأركان المطلوبات الشرعيّة.
جاء في صحيح البخاري: "أنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، رأى رجلاً قائماً في الشمس فقال: من هذا؟ فقالوا: هذا أبو إسرائيل، نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، فقال عليه السلام: مروه فليجلس وليستظل وليتكلم وليتم صومه"، فقد أقرّ الرسول، صلى الله عليه وسلم، الرجل على الصيام لأنّه عبادة مشروعة، أمّا أن يتقرب إلى الله بالقيام وعدم الجلوس وبالوقوف في الشمس، فهذا ابتداع في طريقة التقرب إلى الله تعالى. ولو تُرك الناس يتقرّبون إلى الله تعالى بالكيفية التي يشاؤون لأصبح الأمر فوضى، ولتعددت صور العبادات بتعدد البشر، ولأضرّ الناس بأنفسهم لقصور علمهم وحكمتهم. أما مبدع الناس وخالقهم فهو الأعلم بما يصلحهم.
جاء في الحديث الصحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، قال: "أُخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أنني أقول: والله لأصومنّ النهار وأقومنّ الليل ما عشت، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أنت الذي قلت ذلك؟ فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي. قال فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر. قلت: إني لأطيق أفضل من ذلك. فقال: لا أفضل من ذلك".

بعض ما يُستفاد من هذا الحديث:
‌أ.        يُسر الدين ومراعاته لفطرة الإنسان.
‌ب.    ميل بعض الناس إلى التشديد على أنفسهم رغبة منهم في التقرب إلى الله تعالى. وهذا مدخل للتحريف والابتداع، لأنّ الناس تتأثر بالعابد أكثر مما تتأثر بغيره.
‌ج.    بعد أداء الفروض يمكن للإنسان أن يطلب الارتقاء بالتزام السنن والمستحبات.
‌د.      قصور علم الإنسان وحكمته قد يقودانه إلى الإضرار بنفسه. فقد ظن الصحابي الجليل أنّ الأفضليّة تكمن في الزيادة والتشديد على النفس، والذهاب بها إلى أقصى طاقتها. فبين له الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنّ الأمر إذا زاد عن حده انقلب إلى ضدّه. لذلك قال له، عليه السلام:"لا أفضل من ذلك"، أي أنّ الزيادة على ذلك تُصبح نقصاً في الفضل.



5.    اليسر ورفع الحرج:
جاء في الآية 185 من سورة البقرة:" يريدُ الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، فإرادة الله التشريعيّة أن لا يُكلف العبد بما لا يطيق. والتيسير هو من أهم خصائص الشريعة الإسلاميّة، لذا نجد أنّ من القواعد الفقهيّة التي استنبطها الفقهاء بعد استقراء الشريعة الإسلامية:

(المشقة تجلب التيسير): فإذا حصلت مشقّة للمُكلّف فإنّ الشريعة الإسلاميّة تُيسّر عليه، كالصائم إذا مرض. فالمشقة التي يقع فيها الصائم نتيجة المرض تجلب له التيسير، فيجوز له الإفطار، بل يجب إذا كان الصيام يؤدّي إلى زيادة المرض.
(إذا ضاق الأمر اتسع): فعندما يضيق الأمر على إنسان فلا يجد، مثلاً، ما يأكله إلا المحرمات، نجد أنّ الشريعة عندها توسّع دائرة المباح، فيصبح ما كان محرماً في الظروف العاديّة مباحاً في الظروف الاستثنائيّة. وهذا ما تنص عليه أيضاً قاعدة  (الضرورات تبيح المحظورات).
قد يخطر بالبال أنّ عدم التكليف أيسر من التكليف. فإذا كانت الشريعة الإسلاميّة تميل إلى التيسير على المكلف، فلماذا التكليف إذن؟
والإجابة عن هذا السؤال من وجوه:
‌أ.        يهدف التكليف إلى بناء الإنسان عقلياً وروحياً وجسدياً. من هنا كان لا بد من التكليف من أجل البناء. جاء في الآية 183 من سورة البقرة: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، فالتقوى هي الأثر المتوقع من الصيام. وجاء في الآية 45 من سورة العنكبوت:"إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".
‌ب.    الجسم الذي لا يعمل يضعف ويضمحل وينتهي بالموت، وكذلك الأمر في الفكرة التي لا تعمل. والتكاليف تحفظ من السقوط والانحلال على مستوى الفرد والجماعة. ولا يكون الحفظ  حقيقياً، ولا يكون البناء فعّالاً وإيجابياً، حتى يكون التكليف فيه شيء من الصعوبة التي لا تبلغ درجة الإرهاق.
‌ج.     يعتبر التكليف في المفهوم الديني نوعاً من الاختبار الدنيوي في سبيل الفلاح الأخروي.[2]

لماذا خلقنا الله؟! مقال مقتبس من كتابنا (رسائل نون):
سؤال حّير العقول ولا يزال الناس يتساءلون: لماذا خلقنا الله ؟! وقد يبادر البعض إلى القول: إنّ الله خلقنا لنعبده، ويدللون على ذلك بقول الله تعالى: "وما خلقتُ الجنّ والإنس إلا ليعبدون". ولكن هل صحيح أنّ الآية تشير إلى ذلك؟. الذي نراه أنّ الآية لا تجيب عن سؤال لماذا خلقنا الله، وإنما تشير إلى وظيفة الإنسان في الحياة الدنيا. وحتى يتّضح هذا الأمر يجدر بنا في البداية أن نبيّن المقصود بالعبادة في المفهوم الإسلامي.
المتتبع للآيات القرآنيّة والأحاديث الشّريفة، يدرك شمول مفهوم العبادة لكل جوانب الحياة. وهذا يعني أنّ العبادة هي: كل سلوك إيجابي يُقصد به التقرب إلى الله تعالى. ونظراً لاستحالة اتفاق البشر على تحديد ما هو إيجابي وما هو سلبي فقد بيّن الإسلام ذلك بوضوح.
لماذا خلقنا الله ؟! الذي يسأل هذا السؤال قد يقصد في سؤاله أن يقول: كان الإنسان عدماً، فما هي الحكمة الربانيّة في خلقه بعد أن كان غير موجود؟! وقد يكون قصد السائل أن يقول: الإنسان موجود، ولا أسألك عن خلقه بعد أن كان عدماً، وإنما أسألك أنّه الآن موجود، لماذا؟! أي أنّ السائل يسأل عن وظيفة الإنسان بعد أن خلقه الله. وهذا السؤال أجابت عنه الآية القرآنيّة:" وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون"، فهي إذن تُحدد وظيفة الإنسان بعد وجوده، ولا تتحدث عن حكمة خلقه قبل أن يوجد. وقد عرفنا أنّ العبادة هي كل سلوك إيجابي يقصد به التقرب إلى الله تعالى. وعليه يكون معنى الآية: وما خلقت الجن والإنس إلا ليسلكوا سلوكاً إيجابياً وفق ما أحدده لهم، فأنا لم أخلقهم للسلبيات. أنا خلقتهم والشأن شأنهم أن يكونوا إيجابيين. ثم يأتي الدين ويفصل في ما هو إيجابي وما هو سلبي، ما يطلب فعله وما يطلب تركه.
لا توجد دولة إلا وتضع القانون الذي ينظم علاقة الناس بعضهم ببعض. وتقوم السلطة التنفيذيّة بحماية هذا القانون، وتكون طاعة الدولة من الواجبات التي لا يُسمح لأحد أن يفرّط فيها. أما الشّريعة الإسلاميّة فلم تقتصر على تنظيم علاقة الناس بعضهم ببعض، بل تعدّت ذلك إلى تنظيم علاقة الإنسان بالوجود، ثم هي تعمل على تربية الإنسان والارتقاء به. ومن أجل تحقيق التفاعل والالتزام من قبل الناس جعل الله تعالى الالتزام بهذه الشّريعة عبادة يثاب عليها المؤمن، وجعل المفرّط بها عاصياً مستحقاً للعقوبة. وإذا كان للقانون سلطة إلزام دنيويّة، فإنّ للشريعة سلطة دنيوية وأخرى أخروية. وهذا يعني أنّ الله تعالى قد تعبّدنا بمصلحتنا، فنحن الذين بحاجة إلى تنظيم ورعاية وهداية وتربية وتنمية، فكان من نعمة الله بالناس ورحمته أن جعل تَحقق مصالحهم عبادة له نسبها إلى نفسه لتكون هذه النسبة سلطة إلزام تدفع الناس لتحقيق المصالح ودرء المفاسد. من هنا لا يصح سؤال من يقول: " وهل يحتاج الله لعبادتنا؟"، لأننا نحن الذين بحاجة إلى عبادته تعالى، فعبادته سبحانه هي التي تحقق مصالحنا، ومردودها على الفرد والجماعة واضح وملموس. والله تعالى يقول:"إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".
يمكن أن يقودنا هذا إلى القول بأنّ العبادة وسيلة لإصلاح الدنيا من أجل صلاح الآخرة. ومن أبرز الأدلة على أنّ العبادة وسيلة وليست غاية أنّ تكاليف بالعبادات في الدنيا غير موجودة في الآخرة. وعليه فلو كان الله تعالى قد خلقنا من أجل هذه العبادات لكانت من أهم حقائق الآخرة.
إذن فلماذا خلقنا الله؟!
حتى نصل إلى الإجابة عن هذا السؤال نقوم أولاً بطرح المثال الآتي:
لدينا ساعة يد، ويمكن أن نسأل حولها ثلاثة أسئلة أساسيّة: هل احتاجت الساعة إلى صانع؟ كيف صنعت الساعة؟ لماذا صنعت الساعة؟
السؤال الأول: هل احتاجت الساعة إلى صانع؟ ونقصد بالصانع هنا الصفات الآتية: العلم،الإرادة، القدرة. وللإجابة عن هذا السؤال لا بد أن ننظر في السّاعة. وبمجرد النظر السريع إلى السّاعة يحكم الإنسان على الفور بأنّها احتاجت إلى صانع. ويمكن أن نتلقى إجابة إيجابية 100% من قبل كل العقلاء من غير تردد. وهذا أمر بدهي. فالإجابة عن سؤال: هل صنع؟ يكون فقط عن طريق النظر في المصنوع.
السؤال الثاني: كيف صنعت السّاعة؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من النظر في السّاعة، أو سؤال الصانع. وتنخفض هنا نسبة الذين يمكنهم أن يجيبوا عن هذا السؤال إجابة إيجابية.
السؤال الثالث: لماذا صنعت السّاعة؟ وحتى نجيب عن هذا السؤال لا بد أن يكون لدينا علم بالخلفيّات التي سبقت الوجود، أي لا بد من العلم مسبقاً بأنّ البشر قد قسّموا اليوم إلى 24 جزءاً، ثم قسّموا كل جزء منها إلى 60 جزءاً، ثم قسّموا كل جزء إلى 60 جزءاً أيضاً. إذا لم تُعلم هذه الخلفيّة التي سبقت وجود الساعة فلا يمكن اطلاقاً معرفة الإجابة عن هذا السؤال على وجه الجزم. ويرجع سبب عدم إمكانيّة الإجابة إلى كون سؤال (لماذا) يتعلق دائماً بعالم ما قبل الوجود. أمّا سؤال (هل) وسؤال (كيف) فيتعلقان بالوجود. لذلك يمكن معرفة الإجابة عنهما عن طريق النظر في الوجود، على خلاف سؤال (لماذا) المتعلّق بما قبل الوجود.
والآن نسأل: هل خُلق الكون؟ الإجابة عن هذا السؤال هي من مسئوليتك أنت، لأنّه لا بد أن تنظر إلى الكون وفي الكون حتى تحصل على الإجابة. ولستَ بحاجة إلى أن تسأل أحداً عن ذلك، فمن السخافة أن نسأل عن إمكان وجود فنان من وراء اللوحة البديعة، لأنّ الإجابة تقدمها لك اللوحة نفسها، فعندما تنظر إليها يسهل عليك أن تجد الإجابة، بغض النظر عن خبرتك أو مستواك العقلي أو العلمي. لذلك فإنّ من أعجب العجب أن يطلب الملحد دليلاً وإثباتاً على وجود الخالق.
كيف خلق الكون؟ إنّ البشريّة منذ وجدت وإلى يومنا هذا وهي تنظر في الكون في محاولة لمعرفة كيف خلق، وإنّ تطور العلوم كان نتيجة لهذه المحاولات. وقد قدّم الدين للإنسان الإجابات عن بعض كيفيّات الخلق، فالقرآن الذي حث البشر على أن ينظروا في كيفيّة الخلق:" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"، هو الذي قدّم لهم بعض المعارف المتعلقة بأصل الوجود، مثل:" ثم استوى إلى السماء وهي دخان"، ومثل:"أولم ير الذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي". واللافت أنّ آلاف السنين لم تكن كافية للإنسان حتى يلم إلماماً واسعاً بكيفيّة الخلق، ولا يزال الإنسان يحاول ذلك، وهو ينجح كل يوم ولكنه لا يزال يجهل الحقيقة.

لماذا خلق الله الكون؟
هذا السؤال لا يمكن أن نحصل على إجابة عنه من خلال النظر في الكون، لأنه يتعلق بأمر ما سبق الوجود، فكما سبقت فكرة الزمن وجود السّاعة لا بد أن تسبق فكرة خلق الكون وجوده الفعلي. من هنا لا يتوقّع أن يعطي العلم الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ العلم يبحث في الوجود، وسؤال (لماذا) يبحث فيما قبل الوجود. والإجابة لا تكون إلا عند الخالق، لأنّه وحده الحكيم الذي أراد أن يخلق قبل أن يخلق. وعليه هل نجد في الوحي إجابة عن هذا السؤال؟
في الواقع لا نلحظ أنّ هناك إجابة. وقد يرجع ذلك إلى أمور منها:
1.  مجال تفكير الإنسان وحدود علومه هو الكون المخلوق، والسؤال هنا يتعلق بأمر كان قبل الوجود.
2.  لا يزال الإنسان قاصراً عن فهم حقيقة الكيفيّة فأنّى له أن يفهم ما هو أكبر؟!
3.  قد تكون المسألة من المسائل التي لا يطيقها العقل البشري. ومن البدهي أن يكون علم الخالق فوق علم المخلوق، وحكمته فوق حكمته. بل إننا نلحظ بوضوح تفاوتاً كبيراً في القدرات بين البشر أنفسهم. وعليه لا نتوقّع من الطفل الصغير أن يدرك الحكمة من وراء بعض تصرفات الآباء والأمهات. وقد وجدنا بالتجربة أنّ الإجابة عن السؤال المشهور: من خلق الخالق؟ هي أسهل عندما يكون السائل مثقفاً ذكياً، ولكن إذا سأل هذا السؤال طفل صغير نجد أنفسنا عاجزين عن أن نقدم له الإجابة التي يقتنع بها الكبار.
4.  من السهل أن يجيب الإنسان عن سؤال هل؟، ومن الممكن أن يجيب عن سؤال كيف؟، وهذا يكفي لخلافته ولأداء وظيفته في الأرض. ولكن من قال إنّ الإنسان قد خُلق للدنيا، فمعلوم أنّ الدنيا تزول؛ إمّا بموت الناس، أو بزوالها يوم القيامة. من هنا لا معنى ظاهراً ولا حكمة بيّنة لوجود الإنسان في الأرض لمدة محدودة من الزمن، حتى لو بلغت مليارات السنوات، لأنّ النهاية تجعل البداية غير ذات معنى، والخلود فقط هو الذي يعطي البداية معناها، ومعلوم في الدين أنّ الآخرة هي دار الخلود. وعليه فالآخرة فقط هي التي تعطي الدنيا معناها. وقد ورد في الأثر الذي معناه صحيح:"خُلِقت الدنيا لكم وخلقتم للآخرة". وعليه لا إجابة دنيويّة حول الغاية النهائيّة لخلق الوجود والإنسان، ولكن هناك إجابة واضحة عن وظيفته الدنيويّة وعلاقة هذه الوظيفة بالمصير الأخروي الأبدي.
ليس بالضرورة أن تكون الإجابات كلها دنيويّة، وإلا فبماذا تتميّز الآخرة عن الدنيا؟! ولا مجال لعالم المحدودات والنهائيات أن يجيب عن أسئلة تتعلق بعالم اللانهائيات. وهذا من أهم الفروق بين الدنيا والآخرة.
هذا المقال يخاطب أهل الإيمان، أمّا غير المؤمنين من الماديين فلا يعنيهم مثل هذا الأمر، لأنّ الحياة في فلسفتهم مجرد صُدفة وبالتالي لا يوجد عندهم شيء له معنى، والحكمة منتفية من الوجود كله. ولا ندري لماذا يعيشون!! ا.هـ[3]



خصائص العبادة في الإسلام
خصائص العبادة في الاسلام الشمول
خصائص العبادة في الاسلام
مفهوم العبادة في الاسلام وخصائصها
مقدمه عن خصائص العباده في الاسلام
العبادة في الاسلام يوسف القرضاوي
بحث عن العبادة في الاسلام
مفهوم العبادة الشامل
مفهوم العبادة لغة واصطلاحا





[1]. للمتابعة:
1.       العبودية، ابن تيمية، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1389 هـ
2.       العبادة في الإسلام، يوسف القرضاوي، دار الإرشاد، بيروت، ط2، 1971م
3.       نظام الإسلام العقيدة والعبادة، محمد المبارك، دار الفكر، بيروت، ط4، 1975م
[2] . لمتابعة الخصائص:
1.       ثقافة المسلم بين الأصالة والتحديات، موسى إبراهيم، ص72، 75، دار عمار، عمان، ط1، 1998م
2.       الثقافة الإسلامية، عزمي طه السيد وزملاؤه، ص247-252، دار المناهج، عمان، ط1، 1996م
3.       دراسات في الفكر العربي الإسلامي، إبراهيم زيد وزملاؤه، ص166- 170، دار الفكر، عمان، 1988م
[3] . رسائل نون، بسام جرار، ص48-54، مركز نون للدراسات القرآنية، البيرة، فلسطين، ط1، 2000م

Post a Comment

Previous Post Next Post