خصائص المفهوم أو المدرك العلمي:

تعلم المفهوم

 - تعريف المفهوم/ طبيعة تعلم المفهوم/ كيف يتم تعلم المفهوم؟
  - أنواع المفهوم/ المفاهيم والمدركات العلمية

المدركات والمفاهيم من الموضوعات الهامة في علم النفس نظرا للدور الكبير الذي تلعبه في عملية التعلم ولقد تحدث الكثير عن هذا الموضوع باسم "التجريد والتعميم" واستعملوا لفظ "التغيرات المتوسطة" أو " التكوينات المتوسطة" وغيرها. ومن الأوائل الذين تحدثوا عن المدركات والمفاهيم  نجد كلارك هل (Hull) حيث كانت "المدركات الكلية" هي موضوع الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1920م، وبعد حصوله عليها، ظلّ موضوع بحثه مهملا حتى عقد مؤتمر كبير لعلم النفس في سنة 1930م لام فيه كلارك هل علماء النفس إهمالهم لموضوع "المدركات" وكان هذا العام نقطة تحول لكلّ من هل (Hull) والمدركات علما أن النظرية الأساسية لهل هي السلوكية الجديدة.[1]
ومفاهيم الفرد تلعب دورا رئيسيا في كيفية إدراكه وتنظيمه للأشياء (الأشخاص وحتى الأفكار) الموجودة من حوله. فهي بمثابة القوانين المنظمة والمحددة لكيفية الإدراك، ففي ميدان التربية كل تلميذ يجب أن يحصل على مفاهيم عديدة وصور ذهنية مختلفة حول ما يدور من حوله في الحياة حتى تصبح العملية التعليمية ذات معنى. فالمفاهيم ذات وظيفة مهمة في عملية التعلم إذ تساعد على:
 - تبسيط العالم الواقعي من أجل تواصل وتفاهم يتسم بالكفاية.
 - تنظيم خبراتنا بصورة يسهل استدعاؤها والتعامل معها.[2]
على العموم يمكن استخلاص أهمية دراسة المفاهيم والمدركات في بعض النواحي منها أن:[3]
     1- فهم المفاهيم والمدركات يجعل المادة الدراسية أكثر شمولا.
      2- فهم المفاهيم والمدركات هو الطريق الرئيسي نحو زيادة فاعلية انتقال أثر التدريب والتعلّم.
    3- تساعد الطفل على اكتساب الإهتمامات و الميول العلمية بطريقة وظيفية.
    4- تساعد الطفل في تسهيل عمليات التعلم والتعليم.
    5- تفهم كيفية نمو وتطور مفاهيم الأطفال من أجل إعداد البرامج والأساليب والطرق الناجحة التي تساعد على إنماء تلك المفاهيم والمدركات وتطورها.
   6- تساعد الطفل في توظيف المعلومات وذلك باستخدامها في الفهم والتفسير لما يثيرهم في البيئة.
   7- تزويد الطفل بالحقائق والمعلومات التي تعينه في الإدراك، التصنيف والتمييز.
على العموم فإن تكوين المفاهيم  يعني تبسيط المعلومات لسهولة التعامل معها، إلا أن المبالغة في هذا الإتجاه قد تؤدي إلى الإضرار بعملية التعلم، فهذا التبسيط المبالغ فيه يكون على حساب الدراسة العميقة للظواهر الفريدة من حولنا. فإذا توقفنا عند معرفتنا أن كل شيء له جناحين فهو طائر ويستطيع الطيران فإن هذا لا يمنعنا من التنبه إلى الخصائص المميّزة لكل نوع       من أنواع الطيور لمعرفة خصائصها ومميزاتها.
فتدريس المفاهيم وتعلّمها من المواضيع الجوهرية في العملية التعليمية التعلمية، لأن تدريس المفاهيم جنبا إلى جنب مع التعميمات والنظريات والمبادئ تساعد على التعلم أحسن لأن المفاهيم كذلك تساهم مثلا في حل بعض صعوبات التعلم خلال إنتقال الطلاب من صف إلى آخر، فما يأتي أولا يعتبر كنقطة إرتكاز ضرورية فيما بعد وما سيأتي بعد لابد وأن يدعم المعلومات السابقة. فالبحث في موضوع المفاهيـم والمدركات العلمية وعلاقتها بعمليتي التعليم  والتعلّم أمر يهم كل معلم ومربي حتى يستطيع من خلالها وضع البرامج والخطط التدريسية المناسبة لكل مادة وكل تلميذ وفي المستوى المطلوب.

  1- تعريف المفهوم:
تعددت تعاريف "المفهوم" بتعدد الزوايا والنظريات التي يُدرك بها هذا المصطلح، فعُرِّف كأنه صنف من المثيرات التي يمكن أن تكوَن مجموعة أشياء أو حوادث أو أشخاص تشترك معا بخصائص عامة ويشار إليها باسم خاص ("دسيسكو").
        أو أن المفاهيم صنف من المثيرات المشتركة بخصائصها الجوهرية حتى  لو اختلفت فيما بينها بشكل ملحوظ (جانييه وبرجز).
        أو كتعريف برونر (Bruner): المفاهيم عبارة عن مجموعة المصطلحات التي يستخدمها العالم في عمله أو الباحث في بحثه كعناوين يشير كل منها إلى مجموعة من الحوادث أو الظواهر أو العلاقات الواقعة ضمن مجال بحثه.
أو أنه سلسلة من الإستدلالات المتصلة تشير إلى مجموعة من الخصائص الملاحظة لشيء أو حدث يؤدي إلى تحديد فئة معينة تتبعها استدلالات إضافية عن خصائص غير ملحوظة (جودنو) (Goodnow) وأوستن (Austin)  .
        كما يعرف أوسجود (Osgood) المفهوم بأنه إستجابة عامة لعدد من الظواهر والمثيرات التي يشترك بعضها مع البعض الآخر في مظهر من المظاهر.
أما في "معجم علم النفس والتربية" فنجد تعريف "المفهوم العام (Concept, general)" كما يلي: »الفكرة التي تمثل عددا من العناصر تشترك كلها في أمر ما، فإذا سمع الإنسان كلمة "أسد" فهم مفهوما عاما هو أنه حيوانا. ويتضمن المفهوم العام المفهوم المجرد (abstract concept) وهو صفة أو صفات مشتركة تفهم لشيوعها بين عناصر فئة ما مثل الأسدية والإنسانية والأمانة[4] ومهما اختلفت التعريفات فالمفهوم لابد من أن تتوفر فيه جملة من المعايير هي:
   -  أن يكون مصطلحا أو رمزا، له دلالة لفظية ويمكن تعريفه.
   - أن يكون تجريدا للخصائص المشتركة لمجموعة من الأشياء.
   - أن يتّسم بالشمول لأنه يشير إلى المواقف أو السّمات التي تتضمنها مجموعة من الأشياء[5].
المفاهيم يمكن تحديدها كذلك من حيث الصفات التي تتدخل في تكوينها، ويوجد العديد من المزاوجة بين الصفات، فيمكن تصنيف مثلا الأشخاص حسب العمر أو الوزن أو المهنة أو الجنس وغيرها من الصفات.

  2- أنواع المفاهيم:
كما تعددت تعاريف المفهوم تعددت كذلك أنواعه، إذ نجد هناك وجهات مختلفة لأنواع المفاهيم، فهناك من يرى أننا يمكن تقسيمها إلى قسمين: مفاهيم تلقائية ومفاهيم علمية (بياجيه (Piaget))،
فالمفاهيم التلقائية: يكتسبها غالبا المتعلم من تلقاء نفسه عبر إحتكاكه بالبيئة من خلال الخبرة الحسيّة المباشرة مثل: مفهوم الحجم.
أمّا المفاهيم العلميّة: فهي التي يكتسبها غالبا المتعلّم عن طريق مرشد أو معلّم مثل: مفهوم التوازي.
أو أن تقسم المفاهيم إلى ثلاثة: مفهوم موصل أو رابط أو موحد ومفهوم غير رابط ومفهوم علائقي (برونر(Bruner)).
    - المفاهيم الواصلة أو الرابطة أو الموّحدة: وهي تعرف بمجموعة السّمات المشتركة بين فئة من الأشياء أو المواقف.
    - المفاهيم غير الواصلة أو غير الرّابطة: تعرف بمجموعة السّمات أو الخواص المتباينة بين فئة من العناصر والأشياء أو المواقف.
    - المفاهيم العلائقيّة: هي تعرف بمجموعة السّمات أو الخواص المشتركة المتباينة بين فئة من العناصر أو الأشياء أو المواقف.

     3- المدرك العلمي:
تعددت كذلك تعاريف المدرك العلمي حتى وإن كانت في مجملها تدور حول إبراز العمل العقلي الذهني المحض، من هذه التعريفات نذكر على سبيل المثال:
    - تعريف أوسجد: يقصد بالمدرك، إستجابة عامة لغوية لمجموعة من الظواهر التي ترتبط مع بعضها البعض في مظهر من المظاهر.
    - وكلارك هل يعرف المدرك كالتالي: هي تكوينات علميّة متعدّدة، ترتبط مع بعضها البعض حتى تؤدي إلى ظهور إستجابة معيّنة نتيجة تعرّضه للمثيرات.
   - أما أرثر جيتس فيعرف المدركات باسم "التعميم" وهو إدراك العلاقة أو الخاصيّة المشتركة أو المبدأ في عدد من المواقف. وهو يرى أن الإنسان يستطيع أن يصنف معلوماته فيستعمل رمزا واحدا لمجموعة من المفردات بعد عملية تصنيفها وربطها، وهذا الرّمز الواحد هو المدرك وهذه العملية تحتاج إلى تجميع الخبرات السابقة وإلى قدر كاف من الإلمام باللغة.[6] هذا التعريف يركز على القدرات العقلية إضافة إلى التجارب أو الخبرات السابقة. وهذا العمل تقوم به الكلمات بصورة رئيسية، وهي تنظم المثيرات أو الظواهر ثم تربط بينها وبين الخبرات السابقة.
غير أن هناك من لا يفرق بين "المدرك" و"المفهوم" كسموك (Smock) الذي يرى أن المدرك هو استجابة رمزية عامة لمجموعة من المثيرات ليس بينها بالضرورة عناصر مشتركة ولكنّها تتجمع في تنظيمات إدراكية أو أنماط إدراكية معينة.
مهما اختلفت التعريفات فإنها كلها تتفق على أن المدرك هو إستجابة لفظية لغوية عامة تربط بين مجموعة من المثيرات. غير أنهم لم يتفقوا حول الصفات (الخصائص) المشتركة التي تجمع هذه المدركات ونجد ثلاثة اتجاهات:
       - الأول: يقصد بالخصائص المشتركة تلك العناصر المتطابقة بين المثيرات التي يجمعها المدرك، مثال: مدرك (شجرة) تختلف الأشجار في حجمها ونوعها وشكلها ونوعية ثمارها إلا أنّها جميعا لابدّ أن تشترك في وجود صفات مشتركة فيما بينها.
     - الثاني: خلاف الإتجاه الأول يحدد هذا الاتجاه الخصائص المشتركة بأنّها علاقات جزئية بين الأشياء وليس تطابقا. مثال: الكرة، حبة بطيخ أحمر ("دلاع")، عجلة السيارة، هي أشياء رغم التباين الموجود فيما بينها إلا أن هناك علاقات جزئية موجودة بين هذه الأشياء أهمها علاقة الدائرية في كل منها.
      - الثالث: يرى هذا الاتجاه أن الخصائص المشتركة هي المعنى المتوسط، مثال: الكرمبيط، الطماطم، البصل، الجزر، ليس بينها علاقة تطابق ولا علاقة جزئيّة ولكنها جميعا تشترك في أنّها من الخضروات.



   4- خصائص المفهوم أو المدرك العلمي:
للمفاهيم أو المدركات خصائص هذه الخصائص تشمل على ظاهرتين أساسيتين هما: الصفات والقواعد والمقصود بالصفات هي التي تملك المميزات التي توجد في كل مفهوم، أما المقصود بالقواعد فهي تلك الطرق المختلفة التي تَنتظم عليها أو بواسطتها الصفات المميزة لمفهوم        أو مدرك ما.
      * أما صفات المفهوم فنذكر منها:
            - أنها عبارة عن تعميمات تنشأ من خلال تجريد بعض الأحداث الحسيّة وخصائص حاسمة مميزة. فالكتاب على اختلاف أشكاله وتنوع الورق الذي صنع منه واللغة المكتوب بها ومحتواه يدل على صفة معينة نعممها على هذه المدركات الحسية.
           - تعتمد المفاهيم في تكوينها على الخبرة السابقة كالخلفية الأسرية والفرص التعليمية التي يمكن أن تمثل متغيرات في تكوين المفاهيم، ويضاف إلى هذا أن هناك جوانب إنفعالية وجوانب إدراكية ترتبط بتكوين المفاهيم والمدركات.
            - رمزية لدى أفراد الإنسان، فمفهوم (الحمامة) يمكن أن يرد إلى الذهن من عدة مصادر مثل الطائر أو كحادثة دينية معينة أو كرمز للسلام.
            - تنتظم المفاهيم في تنظيمات "أفقية" أو "رأسية" وكمثال للتنظيمات الأفقية، إذا قدمنا للمتعلم أمثلة  للطيور الدجاج، البط، النسور، الحمام، الغراب، كلها تنتمي لنفس الفصيلة الكبرى من الحيوانات لأنها جميعا لديها بعض الخصائص المشتركة. ومع ذلك فهي تختلف في بعض الجوانب مما يسمح لنا أن نصنّفها إلى جماعات داخل نفس المستوى من مملكة الطيور (الدواجن، الطيور الجارحة...)
           - تتغير المفاهيم والمدركات من البسيط إلى المعقد ومن المحسوس إلى المجرد.
          - تؤثر المفاهيم والمدركات على التوافق الشخصي والإجتماعي للفرد.
    * أما قواعد المفهوم:
لقد عدد علماء التربية وعلماء النفس خمسة قواعد أساسية تنظم الصفات المميزة لكل مفهوم هي:
        أولا: قاعدة الإثبات: وهي من أسهل المفاهيم تعلّما نظرا لتوفر العديد من الأمثلة عليها وتعني هذه القاعدة إثبات صفة مميزة معينة على مثير ما ليكون مثالا على المفهوم. فإذا أردنا تعليم الطالب مفهوم الفعل مثلا فإن كل ما يشتمل على صفة الفعلية يعدّ مثلا موجبا على المفهوم وما عدا ذلك يعد مثالا سالبا عليه. " مسح، كتب-  إقرأ- " أمثلة موجبة. أما "كراس- كتاب- ورقة" أمثلة سالبة على المفهوم.
        ثانيا: قاعدة الإقتران أو التجميع: أي إشتراط اقتران صفتين مميزتين أو أكثر معا في المثير لكي يكون مثالا موجبا على المفهوم.[7]
       ثالثا: قاعدة اللاإقترانية أو التضمين الإنفصالي: تعنى هذه القاعدة تطبيق صفات مميزة منفصلة، أو غير مقترنة بالأشياء أو المثيرات لتشكل أمثلة على المفهوم أي (إمّا/ أو) بمعنى إمّا أن تتوافر الصفة الأولى مثلا أو الصفة الثانية في الشيء أو المثير الذي يكون مثالا على المفهوم. فمثلا الأعداد التي تقبل القسمة على (5) بدون باق يجب أن تبدأ بصفر أو بخمسة، فمفهوم: "قابلية القسمة على 5 بدون باق" يعني أن أيّ عدد يبدأ بصفر أو بخمسة يعتبر مثالا موجبا على هذا المفهوم، فالصفتان في هذا المثال غير مجتمعتان بل منفصلتان تماما. فالأعداد: 10، 15، 20، 25، 30... كلّها تعتبر أمثلة موجبة على هذا المفهوم. بينما الأعداد: 3، 17، 216... كلّها تعتبر أمثلة سالبة على هذا المفهوم.
       رابعا: قاعدة الشرط المفرد: وتعني هذه القاعدة وجوب توافر صفة مميزة وتتخذ هذه القاعدة صيغة العبارة (إذ/ إذن) فإذا كان المفهوم المقصود يتضمّن صفتين مميزتين الأولى والثانية فإن هذه القاعدة تشترط: الصيغة التالية "إذا توافرت الصفة الأولى، إذن يجب أن تتوفر الصفة الثانية أمّا إذا توافرت الصفة الثانية فليس بالضرورة أن تتوافر الصفة الأولى". مثل: كل رسول نبي وليس كل نبي رسول يقتضي أن الرسالة تعني النبوّة لكن النبوّة لا تعني الرسالة. ومن الأمثلة الموجبة على المفهوم:  موسى-  عيسى-  محمد عليهم الصلاة  والسلام. ومن الأمثلة السالبة على المفهوم: يوسف-  زكريا-  ذو الكفل عليهم السلام.
   خامسا: قاعدة الشرط المزدوج: تنص هذه القاعدة على توفر شرط متبادل بين صفتين مميزتين بحيث إذا توافرت أي منهما توافرت الأخرى حتما لتحديد أمثلة المفهوم، وتأخذ هذه القاعدة الصيغة المركبة الآتية: (إذا/ إذن) و(إذ/ إذن). فإذا كان المفهوم المقصود يتضمن خاصيتين مميزتين مثل الأولى والثانية فإن العبارة تكون كالآتي: إذا توافرت الصفة الأولى، إذن تتوفر الصفة الثانية وإذا توفرت الصفة الثانية تتوفر الصفة الأولى حتما.

    5- تعلم المفهوم:
هو نشاط عقلي يتمثل في قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة ويتضمن عمليتين أساسيتين هما: التمييز والتعميم.
فتعلم المفهوم يتضمن أي نشاط يؤدي إلى تصنيف حوادث أو مثيرات متباينة جزئيا في صنف واحد، وذلك يكون وفق قاعدة معرفية أو عقلية يستخدمها الفرد في تحديد صفة معينة.
        بعض المفاهيم أسهل تعلما كالتي تمثل أشياء عينية (أشجار، وجوه،...) من الأخرى الأكثر تجريدا كالعدالة والرحمة.
يعتقد بنتون ج. اندروود (Benton J. UNDEROOD) أن تعلم (أو التعرف على) المفاهيم، يتطلب أن يرى الشخص علاقات بين المثيرات. ولكي يرى الفرد مثل هذه العلاقة، يستلزم ذلك أن يوحي كل مثير في مجموعة من المثيرات بنفس الصفة. مثلا إذا رأى طفل مثلثا أزرق اللون ومربعا أزرق اللون فلا بد أن يفكر في صفة "أزرق" بالنسبة لكلا المثيرين. ولكي يفهم الطفل أن مجموعة من الحيوانات هي كلاب لا بد أن يكون قد تعلم أن يطلق عليها الإسم الصحيح أي أن يصدر إستجابة كلب على كل فرد من أفراد هذه المجموعة.[8]   
على كل حال تعلّم المفهوم هو قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة، فهو نشاط عقلي تصنيفي يتضمن عمليتين أساسيتين هما: التمييز والتعميم، ويتم تعلّم المفهوم وفق قاعدة معرفية أو عقلية يستخدمها الفرد في تحديد صفة معينة أو أكثر. هذا التعلم يتأثر بعوامل متعلقة بالموضوع المدرَك والظروف العامة، وأخرى متعلقة بالشخص المدرِك.
لو نأخذ تطور الحكم الأخلاقي عند الطفل فنجد بياجيه مثلا يفرق بين مستويين في التفكير الأخلاقي للطفل  »أولا التفكير الأخلاقي الفعلي، "التجربة الأخلاقية"، التي تتكون تدريجيا في الفعل، مع معايشة الأحداث، بمناسبة الصدامات والخلافات، والتي تؤدي إلى أحكام قيمية تساعد الفرد على توجيه نفسه في كل حالة خاصة، وتقييم أفعال الآخرين إن كان ذلك يهمه بطريقة مباشرة نوعا ما. وهناك من جهة أخرى تفكير أخلاقي نظري أو لفظي، مرتبط بالتفكير الأول بكل أنواع السلاسل... هذا التفكير يظهر عند الطفل كلما استدعي إلى إصدار أحكاما حول أفعال الآخرين والتي لا تهمه مباشرة...« [9]

     أ- العوامل المؤثرة في تعلّم المفهوم أو المدرك العلمي:
              * أعضاء الحس: إذا كانت أعضاء الحس هي القنوات التي تمر من خلالها الخبرات في طريقها للدماغ، فإن حالتها وكفاءتها تؤثران في تعلّم المفاهيم، فالشخص المصاب في إحدى أعضاء حسه (الرؤية، السمع، اللمس،...) سيتأثر في تعلمه لمختلف المفاهيم: الطفل المصاب مثلا بعمى الألوان يدرك الأشياء بصورة تختلف عن الطفل السليم ويؤدي هذا إلى إختلاف في تكوين وتعلّم المفاهيم لديه لأن الإدراك هو الأساس الذي تبنى عليه المفاهيم.
             * الذكاء: يلعب الذكاء دورا مهما في تعلّم المفاهيم.
            * فرص التعلّم: بما أن التعلّم هو تراكم للخبرات فان فرص التعليم المختلفة تسهم في تكوين المفاهيم، لذا ينبغي توفير وتنويع هذه الفرص.
            * نوع الخبرة: لا يكفي أن تكون لدينا فرصا كثيرة للتعلم بل فنوع الخبرة التي نتعرض لها مهمة.
            * الجنس: بما أن الأطفال يتدربون منذ الطفولة المبكرة على التفكير والعمل بالأسلوب الذي يناسب أفراد الجنس (التنميط الجنسي) الذي ينتمون إليه، فإن ذلك ينزع إلى الظهور في المعاني التي يربطونها بمختلف الأشياء والخبرات وتزداد الفروق بين الجنسين كلما تقدّم الأطفال بالعمر، بسبب القيام بالأدوار المناسبة لجنسهم.[10]
ولقد تحدثت نظريات علم النفس عن طرق تعلم الفرد (الأطفال والبالغين) للمفهوم ولعل أشهرها نظرية جون بياجيه- جيروم برونر- فيكوتسكي.
    - نظرية بياجيه:
يعترف بياجيه بأن ما يعرفه الإنسان إنما ينجم جزئيا عما يتعلمه من بيئته الإجتماعية والمادية أي من عالم الناس والأشياء، كما يعترف بأن وجود الكائن بصورة سليمة شرط أولي لحصول التعلم ويضيف إلى عوامل التعلم الإجتماعية والمادية والنضوجية عاملا آخر هو عملية الموازنة، وتعني كيف يستطيع الإنسان تنظيم المعلومات المتناثرة في نظام معرفي غير متناقض، وهي لا تنجم مما يراه الإنسان بل إنها تساعد الإنسان على فهم ما يراه. عن طريق هذه القدرة (الموازنة) يستطيع الإنسان تدريجيا الاستدلال ( inférence ) على الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الأشياء في هذا العالم.
عملية الموازنة تبدأ ببعض الإضطراب إذ يشعر الإنسان بأن هناك شيئا ما ليس على ما يرام وعدم كفاية معارفه لحل المشكلات مما يؤدي إلى حالة عدم التوافق، هذه الحالة تدفع الفرد إلى السعي لاستعادة أو تحقيق التوازن، هذه العملية تتم بإحدى الطريقتين:
       * التمثيل (Assimilation): يعني به النشاط الذي يقوم به الفرد في الوسط الخارجي بمساعدة ما يملكه من بنيات وخطط والذي يؤدي به إلى إدماج بعض عناصر هذا الوسط في تلك البنيات والخطط، حيث يستخدم الفرد ما يتوفر لديه من معارف بعد إعادة تنظيمها وكشف علاقات جديدة بين عناصرها، فيقوم بتمثل الأشياء الموجودة في البيئة مستخدما الكلمات والرموز إلا أنه     قد يحرّف المعلومات التي قد تواجه تعارضا مع وجهة نظره، وهنا تظهر طريقة من طرق التعميم فيوجد الطفل بين موضوعات ليس لها وحدة خاصة تربط عناصرها في الواقع ويفترض أن الظاهرات الطبيعية كالجبال والأنهار من صنع الإنسان مثلا وذلك لخطأ في التمثل أو التعميم ويرجع ذلك إلى أن الأطفال يقيمون هذه العمليات المعرفية على أساس خبرتهم الجديدة أو الذاتية   والتي يلعب فيها الخيال والأوهام دورا رئيسا.
       * التكيف: ويتم ذلك باستدخال أو اكتساب معارف جديدة تعتبر ضرورية لحل المشكلات المسببة للشعور بعدم التوازن.
يعيد الفرد تنظيم معارفه من وقت إلى آخر بهدف زيادة فاعليتها ويتم ذلك عند التمثيل وعند استدخال معارف جديدة (التكيف)، حيث تنتظم هذه المعارف في مجموعات يربطها عامل مشترك يسمى كل منها مجموعة معرفية (سكيمات) (Schème) هذه المجموعات المعرفية تتغير كما وكيفا مع النمو.
ويميز بياجيه بين نوعين من المعرفة: المعرفة الشكلية  وهي تشير إلى معرفة المثيرات بمعناها الحرفي فالطفل الرضيع يرى حلمة زجاجة الإرضاع فيبدأ في المص، معرفة لا تنبع من المحاكمة العقلية. معرفة الإجراء (الفعل) المعرفة التي تنبع من المحاكمة، تلك التي تنطوي على التوصل إلى الإستدلال في أي مستوى من المستويات. والمعرفة الإجرائية تهتم بالكيفية التي تتغير عليها الأشياء من حالتها السابقة إلى حالتها الحالية. أما المعرفة الشكلية فتهتم بالأشياء في حالتها الساكنة في لحظة زمنية معينة.
ووفقا لنظرية بياجيه هناك أربع مراحل رئيسية من مراحل التطور المعرفي عند الأطفال:
         - المرحلة الحسية الحركية: (0-2 سنة)
ففي السنتين الأولى والثانية من عمر الطفل يتعلم الأطفال فكرة إستمرارية الأشياء وانتظامها في العالم الفيزيقي، فمن خلال المسك والمص (الرضاعة) والنظر إلى الأشياء ورميها بعيدا ومن خلال تحريك الأشياء هنا وهناك يتعلم الأطفال بناء فهم جيد نوعا ما لحدود الأشياء الصغيرة وإمكاناتها. وعلى سبيل المثال في نهاية السنة الثانية فالشيء الذي يخبأ أمام الطفل بغطاء يمكن الحصول عليه ثانية.
في نهاية المرحلة الحسية- الحركية ينشأ مفهوم دوام الشيء أو البقاء كنتاج للتجربة الإدراكية والعملية للطفل، والمتمثلة في تطور الخطط الحسية- الحركية التي توفر للطفل قدراً من التكيف مع الأوضاع الخارجية المختلفة والمتغيرة.
ومن خلال التنظيم الحسي الحركي يعرف الأطفال أن بعض التغيرات تؤدي إلى بعض الاختلافات.
        لعل أهم ما يميزها، هو ظهور الرمزية بتطور الوظيفة الكلامية التي تمكن الطفل من إقامة علاقات أكثر تقدماً مع الكبار من جهة، ومع أترابه من جهة ثانية، وغنى تصوراته وقدرته على مقارنة الأشياء وتحليل وتركيب بعض خصائصها الفيزيائية والكيميائية واستخدام الرموز في نشاطاته المتنوعة.
هذه المرحلة تقدم إضافات هامة إلى إمكانيات الطفل وقدراته كالكلام والتصورات واستدخال الأفعال الخارجية إلى الفكر باستخدام الكلمة أو الرمز بدل الفعل.
مرحلة تحولات عقلية كبيرة من التمركز حول الذات إلى الإندماج الإجتماعي، حيث يبدأ الطفل الذي يستقبل هذه المرحلة بدخوله إلى المدرسة بمشاركة أترابه ألعابهم التمثيلية (الدورية) المعقدة وتنمو لديه بشكل واضح الروح الإجتماعية ويصير أكثر قدرة على فهم الآخرين، وعلى التعبير عن أفكاره وأحاسيسه وعن العلاقات القائمة بين الوقائع والأشياء والحوادث باستخدام أدوات التعليل والربط وظروف الزمان والمكان. كما يستوعب عبر سنوات هذه المرحلة الكثير من المعايير الإجتماعية والقيم الخلقية التي تزوده بإمكانية تقييم أفعاله وأفعال الآخرين.
أهم مكتسبات هذه المرحلة على صعيد النشاط العقلي عند الطفل هو تكوين المفاهيم الأساسية للاحتفاظ ("مفهوم الاحتفاظ بالسوائل والحجم والوزن..."). إذ أن الطفل يظهر خلالها مقدرة على القيام بالعمليات العكسية. كأن يصنف الموضوعات الخارجية، ويقيّم العلاقات فيما بينها ويضعها في مجموعات أو فئات (الحيوانات، النباتات، الأثاث المنزلي...) على أساس ما هو مشترك بينها من صفات، كاللون والشكل والحجم والوظيفة وسواها.
ويقوم بالترتيب التصاعدي (من الأصغر إلى الأكبر) أو التنازلي (من الأكبر إلى الأصغر) دون أخطاء. ويستطيع أن يتوصل من خلال المعطيات: أ < ب، ب < ج، إلى أن أ < ج، وأن يدرك مثلا تعاقب المساواة (علاقة التعدي) على شكل أ=ب، ب=ج، ويصل إلى أن أ=ج. بيد أن جميع هذه العمليات المنطقية التي يجريها الطفل في هذه المرحلة ترتبط في مجاله الإدراكي إرتباطاً مباشراً. وهذا معناه أن تفكير الطفل هنا لم يتحرر بعد من سيطرة الإدراك الحسي المباشر وتبعيته لما يقدمه الإحساس من معطيات حول خصائص الأشياء وعلاقاتها بعضها ببعض.
لعل أبرز ما تتسم به هو قدرة المراهق على وضع الفرضيات وإجراء المحاكمات الإستدلالية والإستنباطية المنطقية، والقدرة على تمثيل المفاهيم المجرّدة كالخير والعدالة والحق والفضيلة، والقوانين العلمية التي تخضع لها حركة الأجسام والظواهر الطبيعية في الزمان والمكان. ويرتقي بمعرفته من المستوى الحسي إلى المستوى المجرد.
إن التقسيم الذي جاء به بياجيه لمراحل النمو وأطواره لا يعني انفصال تلك المراحل أو إستقلالها بعضها عن بعض بقدر ما يعني أنها حلقات في سلسلة، تكمل كل واحدة منها الأخرى أو تنتج عنها وتمهد لظهورها.
     في تعلّم المفهوم أو المدرك يشير بياجيه إلى وجود ثلاث مراحل رئيسية عند الطفل: المجموعات الخطيّة التصويرية والمجموعات اللاخطية وأخيرا المفاهيم.
والمجموعات الخطية هي تجمعات تتكون دون الإلتفاف إلى صفات المواد التي بين أيدي المتعلم الطفل، يتم تشكيلها لأسباب فردية وإدراكية للتسلية والمتعة الآنية لأن التجمع الحقيقي للمفاهيم ينبغي أن يكون متعمدا.
وليس هناك خطّ فاصل واضح يمثل الإنتقال من المجاميع الخطّية إلى اللاّخطيّة لأن الأساس الأولي للمجاميع اللاخطيّة يبدو في الواقع متعايشا جنبا إلى جنب مع المجاميع الخطية منذ البداية. إن النقلة من مرحلة إلى أخرى هي مسألة تحول من التجميع حسب أوجه الشبه عن طريق الصدفة إلى القيام بالعملية نفسها عمدا، وللأسف ليس من السهل ملاحظة الفروق.[11]
بياجيه يرى أن الإنتقال من المجاميع الخطية إلى المجاميع اللاخطيّة يحصل عادة في خلال السنة الرابعة من العمر، وتلك هي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل أن يظهر مرونة عقلية ملحوظة إذ يبدأ بتجميع المواد حسب صفة واحدة من صفاتها، وتصنيف الأشكال الهندسية في كومات مناسبة.
ويلاحظ أن الفترة الأولى من مرحلة المجاميع الخطيّة ما زالت تتميّز بوجود عدم إنتظام وحالات من الإلتباس، ففي بداية الأمر قد لا يستطيع الطفل تجميع المواد وقد يترك بعضها دون تجميع.
وتختلف المجموعات الخطية عن المفاهيم من حيث الدرجة وليس النّوع، فالفرق يكمن في الواقع في قدرة الطفل على تغيير الأسس متى ما شاء.
     فكرة بياجيه عن المفاهيم الحقيقية هي في الواقع، السّمو بالعملية العقلية من المحاولة والخطأ إلى التنظيم العقلي المسبق للنتائج النهائية، فمثلا صفة الإستدارة تصبح سمة تجريدية تتجاوز مظهر المواد على انفراد، فالأشياء تكون مستديرة إذا ما امتلكت تلك الخاصية المجرّدة بغض النظر عن لونها وحجمها.
      إن الإنتقال من الأشكال الأكثر بدائية للتجميع عملية طويلة وشاقة بالنسبة للطفل، إلا أن هذا الانتقال التدريجي من الفكر القائم على المدارك إلى الفكر المجرد قد يكون أهمّ عمليّة تطوريّة في مراحل الطفولة، وبما أن المعارف كلّها متدرّجة هرميّة فإنه ينبغي الإهتمام بترسيخ وترصين الخطوات السّابقة.[12]

 مواضيع ذات صلة


خصائص المفهوم أو المدرك العلمي للمفاهيم أو المدركات خصائص
مستويات المعرفة العلمية
خصائص المفهوم أو المدرك العلمي:
انواع المفاهيم العلمية
تعريف المفهوم
انواع المفاهيم
ما هي المفاهيم العلمية لطفل الروضة
انواع المفاهيم الاجتماعية
تعريف المفاهيم
كيف يتكون المفهوم
تعريف المفاهيم الاجتماعية لطفل الروضة






[1] - ينظر مصطفى زيدان، نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية، الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، الجزائر، 1983م، ص.268-269.
[2] - ثناء يوسف الضبع، تعلم المفاهيم اللغوية والدينية لدى الأطفال، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001م، ص.72
[3] - المصدر نفسه، ص.69
[4] - معجم علم النفس والتربية، ج.1 الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1984 ص.31
[5] - مجدي عزيز ابراهيم، تعليم وتعلّم المفاهيم الرياضية للطفل، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة 2001م ص. 41.
[6]- ينظر زكريا الشربيني ويسرية صادق، نمو المفاهيم العلمية للطفل، القاهرة- مصر، دار الفكر العربي، ط1. 2000 م، ص.56-57-58.
[7] - أنور عقل، نحو تقويم أفضل، ، بيروت- لبنان، دار النهضة العربية، ط1. 2001 م، ص 318 .321.320.
[8] - ينظر سارنوف أ.مدنيك وآخرون، ترجمة محمد عماد الدين إسماعيل، التعلم، دار الشروق، ط.3 1409هـ 1989م ص.133
[9]-  Jean PIAGET, Le jugement moral chez l’enfant, PUF, 1969, P. 136.
[10] - زكريا الشرنيني و يسرية صادق، نمو المفاهيم العلمية للأطفال، المصدر أعلاه، ص.77.
[11] - ينظر ثناء يوسف الضبع، تعلم المفاهيم اللغوية والدينية لدى الأطفال، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 2001م، ص.77.
[12] - ينظر ثناء يوسف الضبع، تعلم المفاهيم اللغوية و الدينية لدى الأطفال، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 2001م، ص.79.

Post a Comment

Previous Post Next Post