الملكية في الاقتصاد الإسلامي
إن التملك والاستئثار بالشيء والرغبة في الاستحواذ عليه أمر فطري جبل الله النفس الإنسانية على حبه والسعي إلى تحقيقه ، ومما يـدل على ذلك الكتاب والسنة :

ولأجل ذلك جاءت الشريعة الإسلامية بإقرار التملك الفردي للإنسان وحقه في التصرف ما دام أنه في الإطار الشرعي ، رعاية لمصالحه واستجابة للغريزة التي أودعها الله تعالى فيه ، وهذا الموقف الإسلامي المميز يخالف موقف المذهب الرأسمالي الذي يعتبر الملكية الخاصة هي الأصل وما عداها استثناء ، ويخالف كذلك المذهب الاشتراكي الذي يعتبر الملكية العامة هي الأصل ولا يعترف بالملكية الخاصة إلا في أضيق الأحوال . 

أ - أنواع الملكية :
تنقسم الملكية إلى ثلاثة أقسام هي: الملكية العامة ، ملكية الدولة، الملكية الخاصة

الملكية العامة : ما وجد بإيجاد الله تعالى مما يملكة عموم لأمة دون اختصاص أحد بعينه به . كالأنهار والبراري والآبار. ([1])

فالأشياء والأموال التي تمنع أو تحول طبيعتها دون أن تكون محلاً للملكية الخاصة تعتبر من الملكية العامة كالأنهار، والمراعي وما إلى ذلك مما وجد بإيجاد الله له. ([2])

إقرار الملكية العامة:
الشريعة الإسلامية لم تهمل حقوق المجتمع والجماعات باختلاف أنواعهم وحاجاتهم ،فقد أذنت للأفراد أن يتملكوا أعياناً لا يلحق تملكها إضراراً بالعامة، ومنعت من تملك ما في تملكه إلحاق الأضرار بالمجتمع عموماً ، فهي حينما أقرت الملكية الخاصة ، أقرت في مقابلها الملكية العامة ،وهي أن تكون ملكاً لعموم الناس دون النظر إلى الأفراد ،فلا يحق للفرد أو المجموعة من الأفراد  أن يحجزوا منافعها عن الآخرين بحال، بل هي مشاع بين أفراد المجتمع عموماً على ما تقتضيه المصلحة العامة ، كالطرق ، والأنهار، والمراعي، وغيرها ..  وقد تضافرت الأدلة على إقرار الملكية العامة ومن ذلك ما يلي :
1-     عن ابن عباس رضي الله عن أن  النبي e قال : " المسلمون شركاء في ثلاث في الماء ،والكلأ، والنار" ([3])  ففي هذا الحديث يقرر النبي e مبدأ الملكية العامة ،حيث جعل e الحق لعموم الناس في الانتفاع بالماء والكلأ والنار.
2-     عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه أن النبي e قال" لاحمى إلا لله ورسوله " ([4])   فهذا مما يدل على إقرار الشريعة الإسلامية للملكية العامة .   وقد جاءت نصوص العلماء رحمهم الله  تعالى تقرر مبدأ الملكية العامة ،وأنه لا يجوز للفرد أو لمجموع الأفراد  تملك ما يتعلق به مصالح عموم الناس وحاجاتهم ، بل إنه لا يجوز للإمام أو الحاكم أن يقطع أحد رعيته ما يتعلق به مصالح وحاجات عموم المسلمين كالأنهار والمراعي ([5])

خصائص الملكية العامة : يمكن القول بأن الملكية العامة تختص بما يلي:
1-     الملكية العامة علاقتها مع مصالح عموم المسلمين وحاجاتهم كعلاقة العلة بالحكم فمتى وجدت العلة وهي المصلحة العامة وجد الحكم وهو الملكية العامة ومتى زالت المصلحة العامة زالت الملكية العامة وتحولت تلك الأشياء إلى بيت المال يتصرف فيها الحاكم وفق المصلحة الشرعية ولو بإعطائها للأفراد.
2-     الملكية العامة مقررة بحكم الله تعالى ورسوله r لا يملك أحد التصرف فيها بل ولا يجوز له ذلك ما دام أن المصلحة العامة للمسلمين متعلقة بها.
3-     الملكية العامة ملكية دائمة ومستقرة بدوام واستقرار مصلحة عموم المسلمين
4-     الحق في الملكية العامة حق مستقر للجماعة باعتبارها مؤلفة من أفراد.

ملكية الدولة : هي الملكية التي تكون للدولة ،ومواردها لبيت مال المسلمين يتصرف فيها ولي أمر المسلمين بموجب ما تقتضيه المصلحة العامة .([6])


وبيت المال هو الجهة التي تختص بكل ما لا يعرف مالكه أو لم يتعين له مالك وهو ما يسمى اليوم : وزارة المالية .

موارد ملكية الدولة ( بيت المال )
الأول :        المعادن :  وهي : الجواهر التي أودعها الله تعالى الأرض سواء كانت جارية كالبترول أو كانت جامدة كالذهب والفضة ، وسواء كانت ظاهرة على وجه الأرض أو كانت في باطنها. ([7])                             
الثاني :        الزكاة: ومنها زكاة بهيمة الأنعام، وعروض التجارة، وزكاة النقدين، وزكاة  الزروع  والثمار .وذلك بقبضها من أصحابها وتوزيعها على مستحقيها الثالث :    الخراج :  وهو مقدار معين من المال  يوضع على الأرض الزارعية ، ، وأول من فرض الخراج عمر بن الخطاب رضي الله بعد مشاورة كبار المهاجرين والأنصار.  ([8])    
الثالث :        الفيء : وهو كل مال وصل إلى المسلمين من الكفار بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركابالرابع :        خمس الغنائم:خمس الغنائم يؤخذ لبيت مال المسلمين فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي e أخذ وبرة من جنب بعير فقال" أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم" ([9])
الخامس : الجزية : وهي ما يضرب على الأشخاص الذين لم يدخلوا في الإسلام نظير إقرارهم على دينهم و حمايتهم([10])
السادس:       العشور: وهي ما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين لقاء السماح لهم  بدخول بلاد المسلمين للتجارة . ([11]) ويعبر عنه اليوم بالجمارك .
السابع :       اللقطات وتركات المسلمين التي لا وارث لها أو لها وارث لا يرد عليه كأحد الزوجين ، وديات القتلى الذين لا أولياء لهم .
الثامن :        الأوقاف الخيرية : والوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة على أوجه البر بشروط مبينة في كتب الفقه .
التاسع :       الضرائب الموضوعة في الأشجار والتجارات والطائرات والسفن .

الملكية الخاصة :  وهي ما كانت لفرد أو لمجموعة من الأفراد على سبيل الاشتراك، وتخول صاحبها الاستئثار بمنافعها والتصرف في محلها، كتملك الإنسان للمسكن والمركب .. ([12])

إقرار الملكية الخاصة :
 جاءت الشريعة الإسلامية بإثبات الملكية الخاصة للأفراد "والواقع أن إقرار الشريعة الإسلامية لحق الملكية الفردية أمر معروف من الدين بالضرورة ؛ إذ لولا هذا الإقرار لما كان هناك معنى لما شرعه الإسلام من أنظمة الزكاة ،والإرث، ، والمهور في الأنكحة ، وعقود المعاوضات والتمليكات وعقوبات الاعتداء على مال الغير ؛ لأن هذه التشريعات تستلزم بالبداهة الاعتراف بحق الملكية الفردية ؛ لأن هذا الحق محله المال ، وهذه التشريعات تتعلق به أو بحمايته([13]) . وقد جاء ذلك واضحاً في القرآن الكريم وفي سنة النبي e وفي كلام الفقهاء رحمهم الله تعالى .
حيث أضاف الله سبحانه وتعالى المال والملك وما تولد من الاكتساب إلى الإنسان إضافة اختصاص وتمليك لا ينازعه فيها أحد من الناس ، وهذا صريح بإقرار  الملكية الخاصة .

السنة النبوية :
1-  عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي e قال في حجة الواداع : "... فإن دماءكم، وأموالكم ، وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ،في بلدكم هذا ،في شهركم هذا "  ([14])
2-   عن جابر رضي الله عنه أن النبي e قال: "من أحيا أرضا ًميتة فهي له "   ([15])
3-    عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي e قال : " من قُتل دون ماله فهو شهيد "  ([16])
   فهذه الأحاديث وأمثالها تدل على إقرار الشريعة الإسلامية لملكية الأفراد .

خصائص الملكية الخاصة
1-   لا حد لما يتملكه الإنسان ، مادام تملكه من خلال الوسائل المشروعة([17])
2-   الملكية الخاصة حق كامل  يشتمل على جميع الأعيان والحقوق والمنافع  والمزايا التي تمنحها الشريعة  لصاحبها. ([18])
3-   الملكية الخاصة ،تمكِّن صاحبها من التصرف فيها بما يشاء، على أي نحوٍ كان مالم يكن تصرفه ممنوعا شرعا  كالإضرار بالغير .
4-   الملكية الخاصة تعتبر حقا دائما لصاحبها، لا تزول عنه بحال من الأحوال إلا برضاه مالم يكن هناك مصالح معتبرة شرعاً ،كشفعة مثلا أو نزع الملكية للمصلحة العامة.([19])
5-   الملكية تخول صاحبها التبرع مما يملك دون تحديد  أو تقييد، مادام أنه في قواه المعتبرة شرعاً ، سواء كان ذلك التبرع للأقارب أو لغيرهم ،وهذا متصور في الوقف، والهبة ،والوصية ( في حدود الثلث )، والعطايا عموماً .
6-   من خصائص الملكية أيضاً  أنها تؤدي إلى النمو الاقتصادي حيث تدفع صاحبها إلى تنمية ملكه دون خوف أو حذر .


([1])        قيود الملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية ، د. عبد الله المصلح  ، ص 105 ، الملكية في الشريعة الإسلامية، د/ عبد السلام  العبادي ، 1/ 244
([2])        الخراج لأبي يوسف ، ص  110
([3])        رواه ابن ماجة كتاب الأحكام ، باب المسلمون شركاء في ثلاث وصححه الألباني في الإرواء 1552
([4])        أخرجه البخاري ، كتاب المساقاة ، باب لا حمى إلا لله ورسوله برقم 2197 ,
([5])        انظر في ذلك الخراج لأبي يوسف ، ص 110، المغني  لابن قدامة  8/161
([6])        الملكية في الشريعة الإسلامية ، د/ عبد السلام العبادي ، 1/258
([7])        للمزيد من المعلومات انظر الملكية في الشريعة الإسلامية ، العبادي 1/346-356
([8])        الخراج لأبي يوسف ، ص 45
([9])        أخرجه النسائي كتاب قسم الفيء برقم 4069 .  
([10])       الأحكام السلطانية ، الماوردي ، ص 251
([11])       مجموع الفتاوى ، شيخ الإسلام اين تيميّه 28/276
([12])       الملكية في الشريعة الإسلامية ، د/ عبد السلام العبادي ، 1/ 243 التملك في الإسلام ،
            د. حمد الجنيدل ، ص19
([13])       القيود الواردة على الملكية الفردية للمصلحة العامة ، عبد الكريم زيدان ص9
([14])       أخرجه البخاري ، كتاب العلم ، باب قول النبي  r رب مبلغ برقم 102 ، ومسلم ، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات ، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال برقم 3179 .
([15])       أخرجه البخاري كتاب المزارعة ، باب إحياء أرض موات بدون رقم .
([16])       أخرجه البخاري ، كتاب المظالم ، باب من قتل دون ماله برقم 2300  ، ومسلم كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق رقم 202 ,
([17])       تملك الأموال وتدخل الدولة في الإسلام د. عبد الرحمن الجليلي ، ص 458
([18])       القيود الواردة على الملكية الفردية ،د. عبد الكريم زيدان ، ص 13
([19])       المرجع السابق  ص  13 ، الملكية في الشريعة الإسلامية،  د.العبادي ، 1/ 153

Post a Comment

Previous Post Next Post