أسس وخصائص النظام الاقتصادي الرأسمالي
تعتبر الحرية الاقتصادية والملكية الفردية وحافز الربح من أبرز أسس وخصائص النظام الرأسمالي، وفيما يلي نناقش ذلك بشيء من التفصيل:-
1-     الحرية الاقتصادية: يكفل النظام الرأسمالي الحرية الاقتصادية للفرد، سواء من حيث النشاط الاقتصادي الذي يزاوله أو من حيث الاستهلاك الذي يرغبه، أو من حيث الإنفاق أو الاستثمار الذي يناسبه، فليس للدولة في المجتمع الذي يسوده النظام الرأسمالي حق التدخل ووضع القيود والعراقيل أمام الفرد، عندما يقوم بأي تصرف من التصرفات السابقة، فالقرارات الخاصة بالعمل والإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار يتخذها الفرد بنفسه، وفي ضوء ما يراه مناسباً له[1].
2-     الملكية الخاصة[2]: تعتبر الملكية الخاصة حجر الزاوية في النظام الرأسمالي، الذي يعطي الفرد الحق في تملك أموال الاستهلاك والإنتاج، وأي شيء ذي أهمية اقتصادية، وبالطرق القانونية، حتى أضحت المشروعات الغالبة في النظام الرأسمالي هي المشروعات الخاصة.
ولا يعزب عن البال أن الملكية الخاصة في النظام الرأسمالي أسهمت في زيادة الإنتاج، وفي تشجيع جمع وتراكم الثروة والمحافظة عليها، إلا أن الملكية الخاصة المطلقة لها مساوئها، إذ إنها تؤدي إلى الفوارق الكبيرة في الثروات والدخول بين أفراد المجتمع، إذا ما تركت بدون قيود، كما هو الحال في النظام الرأسمالي، الأمر الذي يجعل الحياة الرأسمالية ميدان سباق، مسعور ومحموم، بين فئة تملك أدوات الإنتاج، ولا يهمها إلا جمع المال من كل السبل ولو أضرت بالآخرين، وأخرى محرومة، لا تملك، بل تظل تبحث عن المقومات الأساسية لحياتها، دون أن يشملها شيء من التراحم، والتكافل، والتعاطف المتبادل .
ولا يعني هذا أن الاقتصاد الإسلامي ينكر مبدأ الملكية الخاصة والتفاوت في الدخول الفردية،  بل إنه يقر هذا المبدأ، طالما أنه تم بالطرق المشروعة والمباحة التي لاتضر بالآخرين، فإنه في نفس الوقت يسعى إلى تضييقه، وعدم اتساعه، لأن هذا التفاوت وهذه الفروق إذا تركت وشأنها دون التخفيف من اتساعها وحدتها أصبحت عوامل للهدم، ووسائل للتحطيم، كما هو الحال المشاهد في الرأسمالية.[3]

وهذا ما أدركه التشريع الإسلامي منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، فعندما اعترف بالملكية الفردية جعل فيها وظيفة اجتماعية[4]، أو بمعنى آخر فرض عليها التزامات وواجبات، لصالح الفئة المحرومة، أو الفقيرة في المجتمع، الأمر الذي يسهم في النهاية في التقريب بين المتفاوتين فلا يكون هناك غنى مطغٍ ولا فقر منسيٍ، في المجتمع الذي يتبع شريعة الإسلام.
3-     حافز الربح: يعتبر البحث عن أكبر ربح ممكن غاية النظام الرأسمالي، إذ أنه هو المحرك الرئيس لأي نشاط اقتصادي، إلى درجة أن أصبح الفرد في ظل النظام الرأسمالي يتجه إلى الإنتاج مسترشداً باعتبارات أكبر ربح ممكن، لا باعتبارات إشباع الحاجات الأساسية أو الضرورية للبشر[5]، لأنه لم تعد تحركه  سوى الأثمان السوقية والاعتبارات الاقتصادية البحتة، وإن ترتب على ذلك إهدار للقيم الروحية أو الأخلاقية في المجتمع، حيث يظل محكوماً ومعتمداً على قرار السوق وحجم الطلب، فإذا كان هناك طلب على نادٍ للقمار مثلاً فإنه يسارع في إنشاءه، وإذا كان هناك طلب على الخمر فإنه يسارع كذلك إلى إنشاء البارات، وتوظيف الأموال في إنتاجه وتسويقه. إلى درجة أن البحث عن الربح بشتى الطرق والأساليب يجعل المنتج أو المستثمر في ظل النظام الرأسمالي لا يميز بين السلع الطيبة والسلع الخبيثة[6].
وليس معنى ذلك أن الاقتصاد الإسلامي ينكر مبدأ حافز الربح، أو يتجاهل جهاز الثمن، وإنما ينكر استخدام الوسائل الضارة لتحقيق هذا الربح، كما ينكر أيضاً إنتاج السلع الضارة التي لا يترتب عليها منفعة حقيقية للمجتمع.
باعتبار أن أوجه النشاط الاقتصادي في الإسلام محكومة بقاعدة الحلال والحرام، وهي القاعدة التي تسد كل منافذ الشهوات، وأنواع السلوك غير السوي أو الضارة التي تبدد جانباً مهماً من موارد المجتمع


([1] )       د. محمد حمدي النشار، النظم الاقتصادية، الناشر جامعة أسيوط، 1965م، ص33.
([2] )       د. محمد حامد، النظم الاقتصادية المعاصرة، ص22.
([3] )       د. عمر المرزوقي، اقتصاديات الغنى في الإسلام، ص58.
([4] )       محمد أبوزهرة، في المجتمع الإسلامي، ص4.
([5] )       د. رفعت المحجوب، النظم الاقتصادية، ص56.
([6] )       الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، الموسوعة العلمية والعملية للبنوك الإسلامية، ج6، ص95.

Post a Comment

Previous Post Next Post