دورة حياة المنظمة
أولاً: المنظمة بصفتها كائناً حياً
المنظمات لا تشبه الكائنات الحية من حيث التطلع للبقاء، فهي وجدت لكي تبقى ولا تموت، فهذه حقيقة لا تنطبق على الكائنات الحية، وبالتالي المقارنة هنا غير كاملة، ولكن المنظمات شبيهة بالكائنات الحية من حيث نموها، ومرورها بمراحل حياتية يمكن التنبؤ بها، وتحديد خصائصها في كل مرحلة فيها. المنظمات تحتاج إلى طاقة لتنتج السلع أو الخدمات، وإذا لم تستطع الحصول على هذه الطاقة من البيئة الخارجية فسوف تفشل في تحقيق أهدافها، ويكون مصيرها الموت.
شـبه كثـير من الكتـاب والبـاحثين المنظمـات بالكائنـات أو  النظـم الحيـة فالكائن الحي له دورة حياتية بمعنى أنه يولد فينمو فينضج ثم يهرم وأخيراً يموت. وكذلك المنظمات لها دورة حياتية لا تختلف مراحلها كثيراً عن دورة حياة النظام الحي. ولكن هذا التشبيه ليس دقيقاً في جانبين هامين على الأقل وهما
.إن الكائن الحي مصيره المحتوم هو الموت والفناء، في حين أن قليلاً من المنظمات يفنى ويتلاشى إن الكائن الحي ينتقل بصورة حتمية من الشيخوخة إلى الموت والفناء، في حين أن المنظمات قد تتجاوز مرحلة الانحدار (الشيخوخة) بنجاح وتعاود انتعاشها ونموها من ومفهوم دورة حياة المنظمة ينبهنا إلى أن المنظمة قد تمر ثم تعود من جديد لمرحلة إنتعاش.
ثانياً: مفهوم دور حياة المنظمة ومراحلها الأساسية:
دورة حياة المنظمة
إن المنظمات لم يستحدثها الإنسان لكي تموت، بل إن فكرة موتها أبعد ما يمكن قبوله من قبل المؤسسين طالما كانت ناجحة في عملها.  وهذه الحقيقة إذا كانت تنطبق على المنظمات فإنها لا تنطبق على الأفراد وبقية الكائنات الحية.
إن المقارنة بين المنظمة والكائن الحي من هذه الزاوية هي مقارنة غير متكاملة. لكن هذه المقارنة مفيدة.

المنظمات شبيهة بالكائنات الحية من حيث نموها ومرورها بمراحل حياتية يمكن التنبؤ بها وتحديد خصائص كل مرحلة فيها.  فضلاً عن أن هذه المنظمات تحتاج إلى طاقة لتنتج السلع والخدمات، وإذا لم تحصل على هذه الطاقة من البيئة الخارجية فسوف تفشل في تحقيق أهدافها ويكون مصيرها الموت لا محالة.
للمنظمة نمط من التغيير، وهي مراحل مميزة تتقدم خلالها بشكل منظم ومنطقي، وليس عشوائياً وبالإمكان التنبؤ بها، وتتحدد المراحل التي تمر بها المنظمات بـ:
1. مرحلة التأسيس والإنبثاق Entrepreneurial Stage: هي مرحلة التشكيل وإنشاء المنظمة، وتتصف بامتلاكها أهداف طموحة وابداعات، والسعي للحصول على الموارد الأساسية.
2. مرحلة التجميع Collectivity Stage: للمنظمة في هذه المرحلة رسالة واضحة، ودوافع العاملين والإلتزام والإخلاص العاليين للمنظمة، لكن نمط الهيكل والاتصالات تبقى أقرب لللارسمية، ويبذل أعضاء المنظمة جهوداً كبيرة لإظهار الولاء والالتزام التنظيمي.
3. مرحلة الرسمية والرقابة Formalization and Control Stage: يتم وضع قواعد وإجراءات للعمل، وتتحدد أدوار العاملين بشكل أكثر دقة، لذا يقل الاعتماد على الاجتهادات الفردية، ويتم التأكيد على معايير الكفاية، وتتحدد مراكز اتخاذ القرارات، ومواقع المسؤولية، لذا فهي الخطوة الأولى نحو المؤسسية بدلاً من الفردية.
4. مرحلة تطوير الهيكل التنظيمي Elaboration of Stricture Stage: تصبح المنظمة قادرة على الانتشار والتوسع في نشاطاتها بما تقدمه من سلع وخدمات، ويزداد الاهتمام بالبحث عن فرص التطور، مما يوجب تطوير المنظمة للاستجابة لهذه التطورات، ويبدأ إعتماد أسلوب اللامركزية.
5. مرحلة الضعف والانحدار Decline Stage: تتمثل هذه المرحلة بمعايشة ظروف صعبة، كزيادة النقد الموجه للمنظمة أو زيادة عدد المنافسين، وتقلص الحصة السوقية، أو دمج أو إلغاء بعض المنظمات. هذه الظروف تنعكس سلباً على العاملين: بحيث تزيد نسبة الدوران الوظيفي، وترتفع حدة التوتر مما يؤجج الصراعات، مما يدفع الادارة إلى تبني الأسلوب المركزي في العمل للسيطرة على الوضع وضبط الأمور.
* ليس من الضروري أن تمر كافة المنظمات بنفس المراحل، وإن كان لا وجود لخلود أي منظمة مهما طال عمرها.
ثالثاً: أهمية تبني دورة حياة المنظمة
المنظمة كائن حي من ناحية التحرك باستمرار تجاه التطوير والتغيير، وتتغير مواقف المنظمة عبر المراحل التي تمر بها، فالمبدأ الإداري في مرحلة معينة يتغير في كل مرحلة، ولذلك يجب التنبؤ الدقيق في اختيار النموذج الأفضل عند الإنتقال من مرحلة لإلى أخرى.
النماذج الأكثر انتشارا: نموذج ميللر و فرايزن ونموذج جراينر:
ومن أكثر النماذج المعروفة: نموذج ميللر و فرايزن ونوذج جراينر
نموذج ميللر و فرايزن
1- الولادة.    2- الولادة      3- النضج    4- الانحدار / التدهور       5- إعادة الإنتعاش
نموذج جراينر
1- الإبداع / وأزمة القيادة.
2- التوجيه / وأزمة الاستقلالية.
3- التفويض/  وأزمة الرقابة.
4- التنسيق / وأزمة الروتين .
5- التآزر / وأزمة الإشباع النفسي.
نموذج ميللر وفرايزن  
يقترح الكاتبان (داني ميللر و وبيتر فرايزن) أن دورة حياة المنظمة تمر بخمس مراحل وهي:
أ ـ الولادة (
Birth): وفي هذه المرحلة تسعى المنظمات الصغيرة إلى تأسيس وترسيخ وجودها من خلال الإبداع الإنتاجي 
ب ـ النمو / التوسع (
Growth ): وهنا تبدأ المنظمات بالنمو وتكبر بسرعة وتقسم إلى وحدات / دوائر، وتصبح هياكلها أكثر رسمية.
ج ـ النضج (
Maturity): وفـي هـذه المـرحلـة تصـبح المنظمـات كفـؤة ( efficient)، ومسـتقرة وتستخدم هياكـل أكثر بيروقراطية، ولكنها أقل إبداعيـة.
د ـ الانحدار / التدهور (Decline): وهنا تتأرجح المنظمة ضمن أسواق منكمشة / متقلصة لمنتجات متقادمة.
هـ ـ إعادة الانتعاش (
Revival): وفي هذه المرحلة تشهد المنظمة منجزات إبداعية ضمن هيكل تنظيمي يعتمد على التقسيم على أسـاس السـوق.
نموذج لاري جراينر
حدد هذا الكاتب خمس مراحل أو مستويات لنمو المنظمة، كل مرحلة تجلب معها أزمة خاصة بها، وإذا ماتمت معالجة الأزمة بنجاح انتقلت المنظمة إلى مرحلة تطور جديدة، ولكن في حال عدم معالجة الأزمة والإنتقال السليم للمرحلة الثانية، يصبح إنحدار المنظمة نتيجة محتملة. وهذه المراحل هي:
1 ـ الإبداع وأزمة القيادة
2 ـ التوجيه وأزمة الإستقلالية
3 ـ التفويض وأزمة الرقابة
4 ـ التنسيق وأزمة الروتين
5 ـ التآزر وأزمة الإشباع النفسي
الإبداع وأزمة القيادة
نلاحظ ان كثيراً من المنظمات تنشأ من فكرة لدى فرد أو عدد من الأفراد، وبعد الإنشاء تتزايد المتطلبات الإدارية، ولا يرغب الريادي / المؤسس المبدع في إشغال نفسه بهذه القضايا ونتيجة للحاجة الماسة إلى المهارات الإدارية تنشأ أزمة القيادة الإدارية، فتلجأ المنظمة إلى التحرك والتحول نحو النمو الذي يتصف بالتوجه الشديد.
التوجيه وأزمة الإستقلالية
بعدما يتولى أحد الشركاء أو مدير مسؤولية القيادة، يعود الأشخاص المبدعون إلى الإبداع، وبعدها يتحول التوجيه من قبل الإدارة العلىا إلى هيكل تنظيمي رسمي مليء بالقواعد والمعايير والنماذج، و نظم محاسبة التكاليف والتخصص.
وتحدث الأزمة الثانية حينما يجد الأشخاص المبدعون أن الهيكل الرسمي يعيق الإبداع ويقيد سلطتهم في اتخاذ القرار، والهيكل التنظيمي الآلي الذي ساعد بنجاح في حل أزمة القيادة، يسبب الآن أزمة الإستقلالية. ومع إستمرار النمو يصبح الموظفون في المستويات الدنيا على دراية بالمشكلات بقدر يفوق معرفة الإدارة العلىا، فيطلبون مزيداً من الحرية للإستجابة بسرعة لإحتياجات المنتفعين ومشكلات الإنتاج وغيرها.
التفويض وأزمة الرقابة
لأجل حل أزمة الإستقلالية تنشأ الحاجة للتفويض، وعلى الإدارة أن تفوض بعض سلطاتها ومسؤولياتها للمستويات الدنيا وتسمح لها بمزيد من حرية التصرف. وفي هذه المرحلة يستمر النمو ولكن من خلال المركزية.
التنسيق وأزمة الروتين
تتمكن الإدارة العلىا من السيطرة والرقابة على مجريات الأمور و تلجأ إلى تطبيق آليات ووسائل تنسيق متنوعة وعديدة – إجراءات رسمية للتخطيط، إضافة موظفين إستشاريين، مركزية بعض الانشطة وغيرها. وفي ظل ذلك يبدأ المديرون يدركون أنهم مقيدون في إدارة شؤون قطاعاتهم، وأنهم يرتبطون بباقي المنظمة من خلال شبكة تنسيق تفصيلية
وإذا ما استمر النمو بهذه الصورة فسيؤدي في النهاية إلى أزمة الرويتن (البيروقراطية)، وعدم قبول مديري القطاعات للرقابة التي يمارسها الموظفون في المركز و العمل المكتبي.
التآزر وأزمة الإشباع النفسي
أما المستوى الخامس من النمو فهو التآزر والتعاون. فمن أجل مقاومة الروتين، تتطور هياكل إبداعية تعتمد على العمل بروح الفريق ومهارات التفاعل التبادلي، وتحتل إستراتيجيات حل الصراعات أهمية قصوى في هذه المنظمات حيث لا تنجح الوسائل الرسميةـ ويتم تشجيع السلطة المزدوجة وفرق العمل المؤقتة، والتجربة في مناخ يتصف بمشاركة المسؤولية بدلاً من التخصص.
وينتج عن التنظيم التعاوني أزمة إشباع نفسية حينما يجد الأفراد أنفسهم يعملون في بيئة يسودها الغموض والتوتر الناتجان عن تصميم فرق العمل، وأن المتطلبات والإحتياجات المتضاربة للرقابة الآلية والمرونة العضوية ترسل إشارات مختلفة ومشوشة. وقد يعاني الأفراد بدنياً ونفسياً في مثل هذا النوع من التنظيم، ويمكن معالجة الوضع جزئياً بإعطاء إهتمام أكبر لصحة وسلامة العاملين بهدف تقليص التوترات والضغوط الناتجة عن مرحلة التآزر.
انحدار / تدهور المنظمات
ومن أهم مسببات الإنحدار: إنحدار في البيئة التي تستمد منها المنظمة مواردها وتقدم لها منتجاتها وخدماتها. مثل تقلص الموارد أو ارتفاع تكلفتها أو الاثنين معاً، وكذلك عدم توفر الموارد البشرية الماهرة المدربة، والموارد الطبيعية، وتزايد التكاليف التشغيلية للمنظمة وبذلك لا يكون النمو محتملاً. ونتيجة لتقلص الحجم تنخفض الإيرادات مما يزيد من صعوبة تغطية التكاليف التشغيلية، مما يؤدي بالتالي إلى انخفاض الأرباح والذي بدوره يسبب صعوبة في اقتراض الأموال على المدى القصير لتمويل عملية النمو أو تمويل التوسع من خلال الديون طويلة الأمد أو من خلال طرح أسـهم جديدة. وباختصار تنعكس الظروف الخارجية المواتية للنمو على المنظمة سلبياً وتجعلها تفكر في استراتيجيات جديدة لإدارة الانحدار بدلاً من إدارة النمو.
نتائج وآثار الانحدار:
من أهم المشكلات والآثار السلبية التي يحتمل أنه تنشأ نتيجة انحدار المنظمة ما يلي:
ا ـ تزايد الصراع والنزاع في المنظمة.
ب ـ ارتفاع معدل الدوران الوظيفي.
ج ـ تزايد مقاومة التغيير.
د ـ الضغوط (
Stresses)، مع تقلص الموارد.
ه ـ انخفاض دافعية ومعنوية العاملين.
إدارة مرحلة الإنحدار
من أهم الممارسات التي يمكن أن تفيد في مرحلة الإنحدار ما يلي:
ا ـ تطبيق مركزية محكمة
ب ـ قيام الإدارة بتوضيح تفسيرات استراتيجيات المنظمة وأهدافها لإزالة... في أذهان العاملين ودحض الإشاعات وسوء الفهم.
ج ـ تكثف الإتصالات الرأسية والإستماع للموظفين لإعادة الثقة وزيادة الإعتقاد في أمانة الإدارة ونزاهتها.
د ـ إعادة تقييم الأعمال لتصبح ذات دافعية أعلى.
ه ـ البحث عن طرق إبداعية لمعالجة المشكلات المصاحبة لتقليص القوى العاملة ( مثل التقاعد المبكر و تقليل ساعات العمل وغيرها.

Post a Comment

Previous Post Next Post