علاقة علم الاقتصاد الإداري بالعلوم الأخرى
إن كون الاقتصاد علم اجتماعي يفسر ويشرح سلوك الإنسان وهو بصدد إشباع احتياجاته، وكون السلوك الإنساني يخضع لعوامل مختلفة منها الاقتصادية، ومنها غير الاقتصادية من اجتماعية وسياسية وعرفية... إلخ، فإنه يرتبط بعلاقة وصلة وثيقة بكثير من العلوم. فالاقتصادي الأمريكي "بول سامولسون" P.Samuelson يطلق على علم الاقتصاد لقب "ملكة العلوم الاجتماعية" Queen of Social Sciences ، لكونه علم يمتاز عن سائر العلوم في أنه العلم الوحيد الذي يستخدم مناهج البحث بأنواعها في دراسة الظواهر الاقتصادية، كما أنه يجمع بين أكثر من علم في مناهجه. فعلم الاقتصاد يعتمد و بشكل كبير على الرياضيات من خلال ما يعرف بالاقتصاد الرياضي Mathematical Economics ، فنجده يقوم بصياغة النماذج الرياضية في سبيل التوصل إلى حل المشكلات الاقتصادية المختلفة.  كما يعتمد الاقتصاد على علم الإحصاء في استخدامه للإحصاء الوصفي Descriptive Statistics والاستدلال الإحصائي Statistical Inferenc. ويتمكن علم الاقتصاد أيضاً من الجمع بين النظرية الاقتصادية والرياضيات والإحصاء في منهج واحد وهو منهج الاقتصاد القياسي. و عند دمج النظرية الاقتصادية مع أدوات التحليل الرياضي و القياسي لاستخدامها في حل مشكلات القرارات الإدارية ينتج كما ذكرنا مسبقا علم الاقتصاد الإداري Managerial Economics. وعليه نقول بأن الإدارة ترتبط بالاقتصاد بعلاقة وثيقة الصلة فيما يتعلق باتخاذ القرارات واختيار البدائل المثلى، وهي تعتمد عليه في امدادها بالنظرية والأدوات التحليلية المناسبة لمساعدتها في عملية اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أهدافها. وفي الوقت نفسه ترتبط الإدارة بسائر العلوم خاصة وأنها عبارة عن نظام متكامل ومتفاعل مع البيئة المحيطة بجميع عناصرها.
إن الدور الاستراتيجي لسلطة القرار الإداري يتطلب من الإدارة استخدام أسس وأدوات التحليل الاقتصادي والإحصائي، وبالأخص النظرية الجزئية ونظرية اتخاذ القرارات وبحوث العمليات، إضافة إلى الاستفادة من بعض أسس علم النفس. هذه المساحة المعلوماتية العلمية تجعل من القرار الإداري أكثر "فعالية" و"عقلانية" بصورة خاصة في البيئة الدولية المعاصرة التي تتسم بشيوع نظم المعلومات المتقدمة والتكنولجيا المعلوماتية والتقنية والمنافسة الحادة في مجالات استخدامها.
 ونظراً للتطور الذي يحدث في مجالات العلوم المختلفة في الآونة الأخيرة، فقد تولدت عن العلاقة بين علم الاقتصاد و العلوم الأخرى علوم ومجالات جديدة للمعرفة، كالجغرافيا الاقتصادية واقتصاديات الإسكان والاقتصاد الحضري والإقليمي، والإحصاء التحليلي، التاريخ الاقتصادي، وغيرها. و بدون شك فإن كون الاقتصاد الإداري هو أحد فروع علم الاقتصاد فإنه يرتبط بجميع العلوم السابقة شأنه شأن علم الاقتصاد نفسه.
  فالنظرية الاقتصادية تنقسم إلى فرعين رئيسيين هما: النظرية الاقتصادية الجزئية والنظرية الاقتصادية الكلية. النظرية الجزئية التحليل الاقتصادي الجزئيMicroeconomics تتعامل مع الوحدات الفردية في الاقتصاد كالفرد والأسرة والمنشأة، حيث تركز على سلوك المستهلك والكيفية التي يوزع بها دخله بالإنفاق على مختلف السلع والخدمات.  كما يهتم الاقتصاد الجزئي بسلوك المنتج لتحديد مستوى الإنتاج، و اتخاذ القرارات المتعلقة بالتسعير الذي تمكن المنشأة من تعظيم أرباحها.  وعلى النقيض من ذلك نجد النظرية الكلية أو التحليل الاقتصادي الكليMacroeconomics   تتناول دراسة المواضيع الاقتصادية الكلية، فتتعامل مع الاقتصاد القومي في مجموعه متجاهلة الوحدات الفردية. وبالتركيز على الاقتصاد القومي في مجمله، فإن الاقتصاد الكلي يهتم بالناتج الكلي للاقتصاد والمستوى العام للأسعار وليس بالناتج ومستوى الأسعار في منشأة بعينها. 
ويعتمد الإداري على التحليل أو النظرية الاقتصادية في نوعين من القرارات:-
1-                  قرارات تخص العمليات التشغيلية الداخلية للمشروع.
2-                  قرارات تخص علاقة المشروع بالبيئة الخارجية.
ففيما يخص النوع الأول من القرارات نجد الإداري يستفيد بالنظرية الجزئية والتي تعد بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الإداري من حيث اهتمامها بدراسة مبادئ وأدوات التحليل والنظريات التي تفسر سلوكية الوحدة الاقتصادية المنفردة و خاصة المنشأة أو المنتج وهي بصدد توجيه الموارد المتاحة نحو الاستخدامات البديلة لتحقيق أهداف معينة. فالقرارات الداخلية والخاصة بالعمليات التشغيلية للمشروع تتميز بإمكانية السيطرة عليها من قبل الإدارة والقدرة على التحكم فيها كاختيار نوع السلعة المنتجة، وحجم إنتاجها، وأسعار بيعها وما إلى ذلك. والنظرية الجزئية بأدوات تحليلها المختلفة تقدم خلفية صالحة للتعامل مع هذه الموضوعات، فنظرية الطلب تقدم التفسيرات المنطقية لمعنى الطلب ومحدداته ومرونته وتحديد الأسعار، بينما تعنى نظرية الإنتاج بتوضيح فكرة التكاليف والإيرادات والحجم الأمثل للإنتاج، وهكذا.   
أما عن النوع الثاني من القرارات والخاص بالبيئة الخارجية للمشروع فإن مشاكله تستعين بالنظرية الاقتصادية الكلية لكونها تتصل بالاقتصاد القومي و بالبيئة السياسية والاجتماعية للدولة.  كما وأن الاقتصاد الكلي يلعب دوره المهم أيضاً في القرار الإداري من حيث اهتمامه بالأطر الشمولية للاقتصاد ككل، فمفاهيم التجارة الخارجية بشقيها الصادرات والواردات وأسعار تبادل العملات و تنقلات رؤوس الأموال و السياسات الحكومية المالية منها و النقدية هي موضوعات قومية لها تأثير لا يستهان به على القرارات الإدارية. وإن كانت هذه المشكلات تقع خارج حدود سيطرة المشروع المباشرة عليها، إلا أن استيعاب تلك المشكلات وأسبابها والتعرف على حلولها يجنب المشروع الكثير من المشكلات التي قد يتعرض لها أو على الأقل يخفف من حدتها. 
 وعلى ذلك نخلص إلى أن النظرية الاقتصادية أو التحليل الاقتصادي بصفة عامة تمد رجل الإدارة بمعرفة متزايدة عن العالم والظروف التي يعيش فيها من خلال:
1-    توضيح نتائج البدائل المختلفة من القرارات .
2-    التفسير والتنبؤ بالأحداث المستقبلية فيما يخص بالطلب وأوضاع السوق والربحية المحتملة.
             
ويوضح الشكل السابق الهيكل العام للتحليل الاقتصادي من حيث دوره في عمليه اتخاذ القرارات. ونظرية القرارات تفترض التعددية في أهداف المنشأة و اختيار الهدف المرضي أو المناسبSatisfying  وليس تعظيم الربح فقط مع الاخذ في الاعتبار بدراسة الدوافع المختلفة و نمط السلطة عند اتخاذ القرار الإداري و ذلك في ظل هيمنة ظروف عدم التأكد والمخاطرة في الواقع السوقي.



ماهية الإدارة
الإدارة Management هي النشاط الإنساني المختص بتوظيف الموارد المادية والبشرية والمعنوية المتاحة، والعمل على تنميتها والحفاظ عليها من أجل تحقيق الأهداف التي يرغبها المجتمع مع الآخذ في الاعتبار بالظروف المحيطة. فالمهمة الأساسية للإدارة تتجلى في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها المنظمة من خلال مباشرتها للإنشطة المختلفة مستخدمة الموارد المتاحة. والإدارة المتفوقة هي تلك التي تحسن اختيار أهدافها من خلال الدراسة الواعية والمتابعة اليقظة للمناخ المحيط، والتي تستطيع تحقيق هذه الأهداف بالاستثمار الأمثل للفرص المتاحة (المحتملة) والتشغيل الأكمل للموارد المتاحة (المحتملة) والمحافظة عليها وتنميتها باستمرار مع التعامل الكفئ مع القيود والمعوقات، كما تسعى للمواجهة الفعالة للمنافسة ومحاولة التميز والوصول إلى ارضاء العملاء بشكل أكفأ من منافسيها.
وتواجه الإدارة في عالمنا مناخاً مختلفاً عما كان عليه الحال منذ سنوات قليلة مضت، فالواقع الإجتماعي والثقافي مختلف وسريع التغير مع سرعة تغير وتجدد الواقع التكنولوجي وانتشار الآلية وإلغاء أثر التباعد سوى أن كان على مستوى الزمن أو المكان، والواقع الاقتصادي جديد ومستمر في التغير في ظل تحرير التجارة وإزالة الحواجز وفي ظل آليات السوق كأساس للتنظيم الاقتصادي والخصخصة، وسرعة وسهولة نقل التكنولوجيا والعولمة. ومن ناحية أخرى يواجه الإدارة واقع سياسي مختلف ومتجدد من خلال انتشار النظم الديموقراطية والتعددية الحزبية ونظم الشورى والمشاركة في المسئوليات وغير ذلك. في الماضي كنا نتحدث عن المستقبل وكأنه شئ بعيد من الخيال، واليوم نتحدث عن المستقبل وهو معنا ونتصوره وكأنه غداً، ولذلك فإن الإدارة اليوم تتسم بالتغير السريع وتعيش عصر الثورة المعلوماتية وعصر المنظمات الذكية الأمر الذي يجعل من عملية اتخاذ القرار أكثر صعوبة وتعقيداً، وأضحى لعنصر التنبؤ أهمية كبرى لتحقيق الأهداف والتميز في الأنشطة.

Post a Comment

Previous Post Next Post