التسعير في ظل سوق المنافسة الاحتكارية
إن أهم ما تتميز به سوق المنافسة الاحتكارية وجود كثرة نسبية في عدد المنتجين للسلعة يقومون بعرض وبيع سلعة غير متجانسة تماماً إنما تختلف مواصفاتها من منتج لآخر، وتعتبر بدائل قريبة لبعضها. وفي هذه السوق لا يكون هناك سعر واحد بل أسعار متعددة للسلع المختلفة، إلا أن قدرة المشروع على التحكم في عملية التسعير تكون محدودة نسبياً لوجود السلع البديلة والتي تنتجها المشروعات المشابهة. ويكون منحنى الطلب الذي يواجهه المنتج في سوق المنافسة الاحتكارية شبيه بمنحنى الطلب الذي يواجهه المحتكر، ولكنه أقل ميلا من ميل منحنى طلب الاحتكار أي أنه أكثر مرونة، وبالتالي فإن قدرة المنتج وسيطرته في سوق المنافسة الاحتكارية تكون أقل من الاحتكار التام. فإذا رفع المنتج الثمن تقل مبيعاته بدرجة كبيرة نسبياً لوجود منافسين ينتجون سلعا بديلة لسلعته، كما أنه إذا زاد مبيعاته يكون ذلك من خلال تخفيضه للسعر.
ويتبين من الرسم خط الإيراد المتوسط وخط الإيراد الحدي في سوق المنافسة الاحتكارية شبيه تماما بسوق الاحتكار التام، ولكن هذه المنحنيات أقل ميلا أي أنه أكثر مرونة في سوق المنافسة الاحتكارية مقارنة بسوق الاحتكار التام.
وفي المدى القصير يكون المشروع في حالة توازن عندما ينتج الحجم الذي تتساوى عنده التكاليف الحدية (المتزايدة) مع الإيراد الحدي (المتناقص)، ويكون التوازن عند نقطة تقاطع التكاليف الحدية مع الإيراد الحدي. وقد يحقق المنتج في سوق المنافسة الاحتكارية في المدى القصير ربحاً غير عادي أو يحقق الربح العادي فقط أو يحقق خسارة.

التسعير في ظل سوق احتكار القلة:
عندما يقل عدد المنتجين أو المشروعات المنتجة لسلعة ما مع ارتفاع حصة كل مشروع من الإنتاج يكون لكل مشروع سياسته التسعيرية الخاصة به. وكما ذكرنا فإن سوق احتكار القلة يتكون من عدد قليل من المنتجين أو المشروعات المنتجة لسلعة متماثلة أو غير متماثلة، وهناك عدة نماذج لتحليل سلوك المنتج في ظل سوق احتكار القلة تختلف معها طريقة التسعير، وأهمها:-
(1)- نموذج إقتسام السوق (برتراند):
وفقاً لهذا النموذج يفترض أن السلعة غير متماثلة وتختلف مواصفاتها من مشروع لآخر وبالتالي تختلف درجة مرونة الطلب عليها من مشروع لآخر، ويتم تحديد كمية الإنتاج التي تحقق أكبر ربح ممكن وهي الكمية التي يكون عندها الإيراد الحدي مساويا للتكاليف الحدية أي يتحقق عندها شرط توازن المشروع. ويتم اقتسام تلك الكمية بين المنتجين والمشروعات الموجودة في السوق، فيبيع كل منتج سلعته بسعر مختلف عن سعر المنتجين الآخرين تبعا لمرونة الطلب عليها. فالمنتج أو المشروع الذي يكون الطلب على سلعته غير مرن يتمكن من رفع ثمنها للمستهلكين مقارنة بالمنتجين الآخرين ذوي السلع ذات الطلب المرن.
(2)- نموذج اتحاد المنتجين (الكارتل)Cartel :
الكارتل أو اتحاد المنتجين هو اتفاق مجموعة من المشروعات المنتجة لنفس السلعة بقصد احتكار إنتاجها على أن يحتفظ كل مشروع باستقلاليته الاقتصادية والقانونية. وفقاً للنموذج يفترض أن السلعة متماثلة عند جميع المنتجين، فيكون هناك ثمن واحد للسلعة يتم الإتفاق عليه في الكارتل، أي بصفة جماعية على أن يأخذ السعر المحدد في الاعتبار مجموع الطلب السوقي للسلعة والتكاليف المتوسطة للأعضاء.  ويتم الإتفاق على تحديد حجم الإنتاج والثمن عند المستوى الذي يحقق أكبر ربح ممكن والذي عنده يتساوى الإيراد الحدي مع التكاليف الحدية. ولكن يمكن أن تختلف تكاليف الإنتاج من مشروع لآخر وبالتالي يختلف مستوى الربح الذي يحققه كل منتج.
(3)- نموذج التواطؤ الضمني والقيادة السعرية:
وفقاً لهذا النموذج يكون هناك منتج أو منشأة قائدة في السوق ومنشآت أخرى صغيرة والسلعة المنتجة تكون متماثلة، وبالتالي تتولى المنشأة المسيطرة التي تلعب دور القائد السعريPrice Leadership  عملية تحديد ثمن السلعة والكمية المنتجة التي تحقق أكبر ربح ممكن والتي يتساوى عندها الإيراد الحدي مع التكلفة الحدية. يتولى المحتكر أو المنشأة القائدة تحديد السعر الذي يغطي التكاليف المتوسطة لمنشأته ويغطي أيضا التكاليف المتوسطة  للمنشآت أو المحتكرين المتواطئين معه، محاولاً تحقيق أقصى ربح ممكن. ومن مجموع إنتاج المنشأة القائدة والمنشآت الأخرى الصغيرة يتكون العرض الكلي للسلعة في السوق والذي يمثل طلب السوق أيضاً.
(4)- نموذج الطلب المنكسر (سويزي):
قدم سويزي Sweezy (1939) تفسيراً لخاصية ثبات الأسعار التي تتميز بها سوق احتكار القلة من خلال ما يعرف بنموذج الطلب المنكسر. وهنا يتأثر سلوك المنتج بردود الفعل المتوقعة من المنتجين الآخرين في السوق، ويكون منحنى الطلب الذي يواجهه المنتج طبقا للنموذج منحنى منكسرا تختلف درجة مرونته وميله من جزء لآخر. وكما يتبين من الرسم فإن منحنى الطلب أو الإيراد المتوسط (AR) منكسر عند النقطة (E) وتختلف درجة مرونته وميله من جزء لآخر، حيث يكون مرناً في الجزء الأعلى من نقطة الإنكسار وغير مرن في الجزء الأسفل منه على يمينها.  ويفترض النموذج أنه إذا قرر المنتج تخفيض سعره عن سعر السوق (P*) فإن المنتجين الآخرين سوف يتبعونه في تخفيض السعر وبالتالي لن يحقق زيادة كبيرة في مبيعاته، ولن تزداد الكمية المطلوبة من السلعة بشكل كبير بسبب تخفيض السعر. ويكون منحنى الطلب على السلعة في هذا الجزء على يمين النقطة (E) أي عند حجم إنتاج أكبر من(Q*) غير مرن.
وبالعكس إذا قرر المنتج رفع سعر عن (P*) فإن المنتجين الآخرين لن يتبعوه في رفع السعر مما يؤدي إلى تقليل الكمية المطلوبة من سلعته و تقل مبيعاته بدرجة كبيرة لأن المستهلكين سيتحولون إلى الشراء من المنتجين الآخرين الذين لم يلجأوا إلى رفع أسعارهم، وعليه يكون منحنى الطلب في الجزء الأعلى على يسـار النقطة (E) أي عند إنتاج الكمية الأقل من (Q*) مرناً.
    يصبح منحنى الإيراد الحدي (MR) في هذه الحالة دالة غير مستمرة أو غير متصلة عند نقطة الإنكسار والمسافة (FH) في الرسم تمثل الجزء غير المتصل من منحنى الإيراد الحدي. وبفرض أن منحنى التكاليف الحدية (MC1) في المشروع معطى عند المستوى المبين في الرسم، فإن نقطة توازن المشروع سوف تكون هي النقطة (E) وهي نقطة تساوي التكاليف الحدية(MC1) مع الإيراد الحدي (MR). ولو حدث وارتفعت التكلفة الحدية لأي سبب من الأسباب وليكن إلى MC2 مثلاً، فإن وضع التوازن لن يتغير عن  ذلك الذي ينتج Q* وعند السعر P*، حيث أنه عند هذا الوضع التوازني تكون التكلفة الحدية (MC2)  = الإيراد الحدي (MR) .
ومما تقدم يتبين أن نموذج الطلب المنكسر يقدم تفسيراً لثبات الأسعار في ظل احتكار القلة، ولكنه لا يوضح الكيفية التي تم من خلالها تحديد السعر التوازني، وبالتالي سبب حدوث انكسار الطلب عند هذا المستوى التوازني للسعر بالذات دون سواه.

Post a Comment

Previous Post Next Post