اندماج الاقتصاد العربي
 برز مصطلح التكامل الاقتصادي في العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي كنتيجة لرغبة العديد من الدول في الانضمام إلى تجمعات إقليمية لتحقيق عدد من الأهداف الاقتصادية، والسياسية، والأمنية. وقد  شهدت قارة أوروبا ولادة أول وأكبر تجمع اقليمي في العالم، وهو الاتحاد الأوروبي. وقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة ظهور عدد من التجمعات الاقليمية في آسيا، والأمريكتين، وأفريقيا.
وقد كانت الدول العربية سباقة في الرغبة في تحقيق التكامل الاقتصادي منذ قيام جامعة الدول العربية في عام 1945، وعلى الرغم من ذلك فقد تعطل مشروع التكامل العربي لأكثر من ستة عقود نتيجة للخلافات السياسية بين الدول العربية من جهة، ونتيجة لانشغال الدول العربية بالحروب مع اسرائيل، من جهة أخرى.
وتشكل القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية المزمع عقدها في الكويت في يناير 2009 فرصة ثمينة للعرب لتجاوز خلافاتهم السياسية والتركيز على ما تم طرحه من تطلعات للإسراع في تحقيق المزيد من التكامل، بالاضافة إلى بحث قيام عدد من المشاريع الاستثمارية المشتركة في شتى القطاعات الاقتصادية.
وتستعرض هذه الورقة موضوع التكامل الاقتصادي من جانبين. أولا، الجانب النظري وذلك  من خلال استعراض مراحل التكامل الاقتصادي، وثانيا من خلال التطرق إلى ما تم تحقيقه فعليا من تكامل اقتصادي على المستوى العربي.

أولا: مراحل التكامل الاقتصادي
تبين أدبيات اقتصاديات التجارة الدولية أن التكامل الاقتصادي بين الدول يتحقق من خلال المرور بخمس مراحل متتابعة، حيث يتم في كل مرحلة التغلب على عائق من عوائق التكامل. وأدناه نستعرض باختصار هذه المراحل كي نستخدمها كمدخل لاستعراض واقع التكامل الاقتصادي العربي.
        منطقة تجارة حرة
تعتبر هذه المرحلة الأولى من مراحل التكامل وتعتبر ذات أهمية كبيرة كون النجاح في المراحل اللاحقة يعتمد بشكل كبير عليها. وإنشاء منطقة التجارة الحرة الهدف منه هو تحقيق حرية انتقال السلع والخدمات بين دولتين أو أكثر. ويتم ذلك على مستويين: تخفيض أو إلغاء التعريفات الجمركية على انتقال السلع عبر الحدود الوطنية للدول، وتحرير تقديم الخدمات التجارية من خلال السماح بالتواجد التجاري للأشخاص الاعتباريين (الشركات) والأشخاص الطبيعيين (الأفراد)، بغرض تقديم الخدمات في الدولة الأخرى.

        اتحاد جمركي
تتبع عملية إنشاء منطقة التجارة الحرة إنشاء اتحاد جمركي بين الدول الأعضاء. والخطوة الإضافية هنا، بعد إلغاء التعريفات الجمركية، هي توحيد النظم والتعريفات الجمركية بين دول التكتل من جهة وبين العالم الخارجي. ويتم ذلك من خلال توحيد التعريفة الجمركية لواردات الدول الأعضاء في الإتحاد عند معدل معين، بالإضافة إلى إنشاء صندوق مركزي للإيرادات الجمركية بهدف إعادة توزيع هذه الإيرادات بين الدول الأعضاء بهدف تعويض الدول التي قد تتضرر حصيلتها من الإيرادات الجمركية نتيجة لإنشاء للاتحاد.

        سوق مشتركة
المرحلة الثالثة من مراحل التكامل هي إنشاء السوق المشتركة، والتي تنطوي على حرية انتقال عناصر الإنتاج (العمالة، ورؤوس الأموال) بين الدول الأعضاء. فاستثمارات الدول الأعضاء تتم معاملتها معاملة الاستثمارات الوطنية وبالتالي تحصل على نفس الحقوق والامتيازات. فيستفيد الأفراد من الخدمات الاجتماعية (كالصحة والتعليم والضمان الاجتماعي) وتستفيد الشركات من الدعم والإعفاءات الضريبية.

        اتحاد نقدي
تعتبر هذه المرحلة مهمة جدا في سلم التكامل، وتنطوي على توحيد السياسة النقدية من خلال خلق عملة موحدة وإنشاء سلطة نقدية مركزية. فتكون للدول الأعضاء عملة موحدة وسياسة نقدية موحدة فيما يتعلق بسعر صرف العملة وأسعار الفائدة وأسس التنظيم والرقابة على القطاع المصرفي.

        سلطة اقتصادية موحدة
آخر مراحل التكامل الاقتصادي تتطلب إنشاء سلطة اقتصادية تهيمن على كافة النواحي الاقتصادية للدول الأعضاء. فيتم تنسيق العمل الاقتصادي على كافة المستويات كالمالية العامة، والتجارة الدولية، وأسواق العمل.

Post a Comment

Previous Post Next Post