إن ارتفاع أسعار الفائدة والتكلفة العالية للاقتراض كان له ارتباطات واضحة بارتفاع الأسعار، ولعل الزيادة في أسعار البترول عالميا قد تكون سببا وجيها أدى إلى ارتفاع كلفة المنتجات للدولة المستوردة والمصدرة على حد سواء وان بنسب متفاوتة، إذ أن مادة البترول تدخل في معادلة الكلفة سواء المباشرة من خلال التشغيل أو غير المباشر كوسائل النقل، وعليه فإن أي ارتفاع في عنصر من عناصر الكلفة يؤدي إلى رفع قيمة المنتج، ولما كانت الأسعار التي وصل إليها سعر برميل النفط قد قفزت قفزات عالية خلال السنتين الماضيتين، لما كان لهذه المادة الحيوية تدخل في جميع جنبات الحاجات الهامة لكل إنسان فهي تنتقل من إنتاج سلعة إلى وقود سيارة وإلى غاز الموقد وإلى الطريق المسفلت الذي نسير عليه وإلى وقود الطائرات وبذلك تصبح ذات احاطة تامة بجميع ما يحتاجه الانسان، وعليه فإن الكلفة سوف تزداد بطريقة مباشرة على مداخيل أفراد المجتمع مما يزيد العبء على المدخرات العامة للفرد وبذلك فإن الهوة تكبر يوما بعد يوم ويزداد العجز في ميزانية الأسرة وخاصة الأسرة محدودة الدخل. بالإضافة إلى ما سبق فإن الطفرات التي تشهدها أسواق العقار في الوقت الراهن تدعو لمزيد من الزيادة في الأسعار خاصة وأن العقار هو الحاوي للمنتج وأي زيادة فيه ستؤدي بالتالي إلى رفع قيمة التخزين والعرض ومن ثم إضافتها على سعر المنتج في أقل تقدير،
وعلى الرغم من الزيادة في الرواتب التي شهدتها بعض الدول الخليجية وخصوصا الكويت إلا أن العجز مازال مستمرا في مداخيل الأسر محدودة الدخل، بل قد تكون تلك الزيادات قد أتت بمنحنى عكسي أدى إلى المزيد من الارتفاعات.
و ارتفاع الأسعار في المنطقة سوف يفتح طريقا آخر أمام المواطن الخليجي وهو الاتجاه نحو القروض الاستهلاكية التي يؤدي الإفراط فيها إلى تهديد مستقبل حياتهم المعيشية، والتي وصلت حاليا إلى أرقام قد يكون من الصعب تسديدها، كما أن التوسع في طلب القروض الشخصية في الغالب يعود إلى سهولة الحصول عليها في البداية لكن ما يترتب على ذلك مستقبلاً قد يكون مدمراً للفرد والأسرة المقترضة، ويحرم الأجيال المستقبلية من بعض الرأفة الذي يحصل عليه المجتمع الآن خصوصاً إذا تراكمت القروض والديون المستقبلية والتي قد تجبر البعض على التخلي عن بعض المستهلكات الضرورية والتي قد تمس التعليم والمسكن.
زيادات الرواتب وعلى الرغم من الزيادات الأخيرة في الدخول التي أقرتها معظم حكومات دول مجلس التعاون الخليجي سواء كانت زيادة مباشرة أو زيادة في الضمان الاجتماعي أو تقديم المنح وذلك من أجل مواجهة الغلاء في الأسعار، إلا أن ما أحدثته تلك الزيادات هو ارتفاع الأسعار في الأسواق أكثر مما كانت عليه وبارتفاع فاق في مجمله الزيادات في الدخول، ففي الإمارات العربية المتحدة تمت زيادة قيمة المساعدة الاجتماعية المقدمة للمواطن بنسبة 75% والتي أتت في وقتها خاصة في ظل الحديث عن الغلاء المعيشي وارتفاع الأسعار الذي تشهده السوق الإماراتية وما يترتب على ذلك من أعباء على الأسر ذات الدخل المحدود، فيما توقعت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإماراتية أن يطرأ ارتفاع على أسعار السلع والمواد الاستهلاكية في بداية العام المقبل 2006 بنسبة تتراوح ما بين 7% إلى 35%. تسهيلات الحياة المعيشية ومن حيث قيمة المساعدات في دول مجلس التعاون فإن دولة الكويت تعد الأولى بين دول مجلس التعاون بالنسبة لقيمة المساعدة، فرب الأسرة فيها يحصل على أكثر بما يقارب 66% عما يحصل عليه رب الأسرة في دولة الإمارات، إضافة إلى أن الفرد في الكويت يحصل على مقابل استهلاك الماء والكهرباء مع منح قيمة إيجارية للمسكن في حالة عدم امتلاكه مسكناً خاصاً به.
الزيادة تعدت الرواتب ومن خلال الإطلاع على السوق الإماراتي فإن زيادة الاسعار في معظم السلع تعدت الزيادة في الرواتب بما يعادل ثلاثة اضعاف ونصف الضعف، وهذا شيء غير منطقي، حيث من المفترض ان يحدث العكس، خاصة ان سعر برميل البترول وصل لأكثر من 70 دولاراً وهذا في حد ذاته يفترض ان يدعم الوقود وباقي السلع ولا يسهم في غلائها، لأن الايرادات لا بد ان تكون في زيادة من وراء ارتفاع سعر برميل البترول.
قرارات مؤثرة ويرى التجار وأصحاب الرأي في السوق الاماراتي أنه خلال الأشهر الستة الماضية صدرت الكثير من القرارات التي تركت بشكل أو بآخر آثارها في حياة الناس المعيشية، وقد كانت قرارات مفاجئة للجميع مثل قرارات زيادة الرسوم بالنسبة للكثير من المعاملات الرسمية خاصة التي صدرت من وزارة العمل أخيراً، إلى جانب الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود، و أسعار المواد الغذائية، والإيجارات وارتفاع تكلفة العلاج وغيرها من ضروريات الحياة وهذا يعني أن المواطنين والوافدين مقبلون على حياة معيشية مكلفة لا تستطيع الزيادات في الرواتب أن تمتص آثارها.
استياء بسبب الزيادة ويرى المواطن في مملكة البحرين بأن كل شيء زاد سعره في السوق فبعضها زاد بنسبة 5% وبعضها زاد بنسبة 50 % بالإضافة إلى كون الزيادة في الأسعار شملت غالبية الاحتياجات الرئيسية للمواطن البحريني مثل المواد الغذائية التي زاد بعضها بنسبة 20 الى 30%، وتركزت هذه الزيادة في الاجبان، مواد التنظيفات، مأكولات الأطفال، بالإضافة إلى الزيادة في مواد البناء حيث كانت زيادة سعر الاسمنت بنسبة 100%، والخشب العادي كان سعره في الماضي لا يتجاوز الثلاثة دنانير بحرينية بينما ارتفع سعره الآن الى ستة دنانير وخمسمائة فلس، وقد تركزت الزيادة غالبا في المواد التموينية الرئيسية التي لا يمكن الاستغناء عنها. الرواتب لا تكفي وعلى الرغم من الزيادة التي تمت مؤخرا على رواتب الموظف الحكومي في البحرين إلا أن المواطن يصفها بالزهيدة بسبب الزيادة في الأسعار التي أخذت من ميزانيات الأسر أضعاف تلك الزيادة، كما أن الرواتب في القطاع الخاص تبلغ 200 دينار للموظف وهي لا تلبي احتياجاته الشهرية، خاصة في ظل زيادة أسعار المواد الأساسية التي تحتاجها الأسرة.
ومن جانب آخر فإن قطر وبالذات  الدوحة كذلك تعاني من ارتفاع عام في أسعار العقارات والإيجارات والمواد الغذائية والسيارات وقطع الغيار الخاصة بها وعلى الرغم من الآثار الإيجابية التي ترتبت على الطفرة العمرانية والتحول اللافت الى صناعة التشييد والبناء وأنشطة تجارة الأراضي والعقارات إلا أن أثاراً سلبية بدأت تظهر في الأفق ورصدتها التقارير الرسمية ومن هذه الآثار الارتفاع الكبير في أسعار السلع الرئيسية والخدمات بسبب ارتفاع الإيجارات إضافة الى إغلاق عدد ليس بقليل من المحلات والشركات بسبب الارتفاع المبالغ فيه بالإيجارات، وتزايدت الفجوة بين الطلب بقوة على المساكن والمعروض منها، وسجل الرقم القياسي ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 8.6% خلال عام. زيادة التمويل العقاري ومن أجل تخفيف حدة ارتفاع العقارات فقد قام مصرف قطر المركزي بإصدار تعميم بزيادة نسبة التمويل العقاري من 50% إلى 65% وهو ما يؤكد على وعي مصرف قطر المركزي والجهات المختصة بمحورية الدور الذي يجب أن تقوم به كافة مؤسسات الدولة والقطاع الخاص في هذا المجال، ويشير تقرير رسمي الى أن أسعار مجموعة الإيجارات شهدت زيادة كبيرة في عام 2004 وطرأت هذه الزيادة منذ الربع الأول وحتى الربع الرابع، وقد نتجت هذه الزيادة بسبب الفجوة الكبيرة بين الطلب المدفوع بقوة النمو الاقتصادي وتباطؤ المعروض نتيجة عمليات الإخلاء والهدم لأغراض التطوير والتحديث. ارتفاعات عقارية قياسية ويأتي هذا في إطار تسجيل الرقم القياسي للأسعار ارتفاعاً بنسبة 8.6% إلي 48.109 نقطة كمتوسط لعام 2004 وقد حدثت قفزة كبيرة في الأسعار في الربع الأول من العام حيث ارتفع الرقم من 103 في ديسمبر 2003 إلي 72.107 في الربع الثاني واستمر تزايد الأسعار في بقية الفصول ليصل الرقم مع نهاية عام 2004 إلي 73.111 نقطة بزيادة نسبتها 5.8% عن ديسمبر 2003، فيما وصلت نسبة الارتفاع في الإيجارات خلال العام الحالي من 100% إلى 300%. السيولة الفائضة ويقول تقرير مصرف قطر المركزي إنه بتأثير العائد المتوقع على الاستثمارات العقارية فإن جزءاً مهماً من السيولة الفائضة قد تحول إلي صناعة التشييد والبناء وإلي أنشطة تجارة الأراضي والعقارات، وهناك توقعات بارتفاع الأسعار في هذا القطاع قد تولدت من جراء الطلب الزائد الملحوظ على السكن وعلى مباني الأسواق بسبب النقص في المعروض من المساكن بسبب هدم أعداد كبيرة منها ومن المجمعات السكنية في بعض أحياء العاصمة، وقد جاء ذلك ضمن الخطط الجاري تنفيذها لتحديث العاصمة، بالإضافة إلى الطلب المتزايد علي الوحدات السكنية بسبب زيادة عدد القادمين الجدد من الوافدين للعمل في المشروعات الجديدة والتوسعات في المشروعات القائمة، وقد كانت البنوك القطرية حريصة على الاستفادة من ذلك بتوظيف جزء من السيولة الفائضة لديها في تمويل تجارة الأراضي والعقارات ورغم التقييد التدريجي للسياسة النقدية لمصرف قطر المركزي منذ منتصف عام 2004 إلا أن أسعار الموجودات قد حافظت علي ارتفاعها السريع حيث ارتفع مؤشر سوق الدوحة للأوراق المالية بنسبة 53.64% مع نهاية 2004 مقارنة بنهاية عام 2003 وكمؤشر على ارتفاع أسعار العقارات فإن الرقم القياسي لأسعار المستهلك لفئة الإيجارات والمساكن قد ارتفع بنسبة 22.16%، وقد سرع أثر هذا الارتفاع الحاد في أسعار السلع غير المتاجر بها دولياً على الاقتصاد المحلي. باقي القطاعات والتأثير السابق في أسعار العقار لابد أن يلقي بظلاله على باقي السوق، ولابد للتاجر هنا من زيادة أسعار المنتجات السلع التي يوردها للسوق سواء كانت من الأساسيات أو الكماليات وذلك لارتفاع عقار احتواء المنتج من مخازن أو محلات تجارية عارضة. زيادة الفنادق الخليجية وهناك زيادة أخرى شهدتها الأسواق القطرية وهي أسعار الإقامة في الفنادق حيث كانت الزيادة في الغرف الفندقية بنسبة 37.4 بالمئة وذلك خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجاري. وعند مقارنة زيادة الأسعار في فنادق الدوحة مع القطاعات الفندقية في دول الخليج نرى بأن زيادة أسعار الفنادق بالدوحة تأتي في المرتبة الثالثة بعد سلطنة عمان التي زادت بها أسعار الاقامة بنسبة 53.7 بالمائة وفنادق المدينة بدبي التي سجلت ارتفاعا في أسعارها بنسبة 46.1 بالمائة ثم تأتي البحرين بنسبة زيادة في الأسعار قدرها 23.0 بالمائة وتعتبر الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تراجعت بها أسعار الاقامة بنسبة 7.9 بالمائة.

Post a Comment

Previous Post Next Post