الأساليب التربوية في القرآن الكريم

القرآن الكريم كلام الله المعجز الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد، فيه بيان كل شيء، قال سبحانه : " ما فرطنا في الكتاب من شيء " (الأنعام : 38)، وقال : " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " (النمل : 89).
         وما لجأ باحث إلى القرآن الكريم في مسألة إلا وجد لها أصلا فيه، يستوي في ذلك عالم الفقه والاجتماع والتاريخ واللغة والنفس والتربية .
         وفي مجال التربية ينبغي أن ننظر إلى القرآن الكريم من زاويتين :
         الأولى : أنه يتضمن العقيدة الصحيحة وأصول التشريع ومكارم الأخلاق، أي أنه يتضمن المحتوى الذي نربي عليه الأجيال .
         الثانية : أن نستقي منه طرائق التعليم، ومناهج التفكير، وأساليب الشرح والبيان، ووسائل التربية والتأثير .
         فالقرآن الكريم ينبغي أن يكون هو المصدر الأول الذي نستقي منه كلا من المحتوى والطريقة ، وينبغي أن يقرأه المشتغلون في التربية قراءة تربوية بعقل منفتح وحس مرهف، وعندها سيفتح لهم من كنوزه ما لم يكونوا يتوقعونه .
         ونعرض هنا بعض ما يرشد إليه التدبر في القرآن الكريم في مجال أساليب التعليم وطرائق التربية.

للمناقشة : نوضح أهمية ما يلي :
أ ـ استثارة دافعية المتعلم .
ب ـ استخدام الوسائل التعليمية .
ج ـ تنوع أساليب التعليم .

1 ـ استثارة الدافعية:
         الدافعية من الشروط الضرورية لحدوث التعلم، وقد اهتم القرآن الكريم باستثارة الدافعية لفعل الخير بشكل علم، ولطلب العلم بشكل خاص، وبرز ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم، التي تحدثت عن النعيم والثواب الذي يستحقه المؤمنون، ذلك الثواب الذي يكون أحيانا في صورة مادية كما في الآيات التي تصف الجنة وأنهارها ونعيمها، وقد يكون معنويا كما في الآيات : " رضي الله عنهم ورضوا عنه " ، " سيجعل لهم الرحمن ودا " ، " يحبهم ويحبونه " ، " يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا " … وغيرها الكثير .
         كما يبرز اهتمام القرآن الكريم باستثارة الدافعية للتعلم في الآيات التي تحض على التعلم والتفكر والتدبر، والآيات التي ترفع من شأن العلماء .

للمناقشة:
أ ـ يلاحظ على تلاميذنا انخفاض مستوى الدافعية للتعلم في كثير من الأحيان .
         ما هي أسباب ذلك ؟ وكيف تسهم التربية الإسلامية في علاجه ؟
ب ـ كيف تفسر الجهود الكبيرة التي كان يبذلها علماؤنا الأوائل في طلب العلم ؟

2 ـ التعبير عن المعاني المجردة في صورة حسية:

         نلاحظ الآيات الكريمة الآتية :
قال تعالى: " والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ، أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور " (النور : 40،39).

قال عز وجل: " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " (الحج : 31).

قال تعالى: " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون " (البقرة : 17).

توضح الآيات من سورة النور أن الذين كفروا لن يستفيدوا من أعمالهم، وتوضح الضلال والقلق والحيرة التي يعيشون فيها، وهو أيضا ما توضحه الآية (31) من سورة الحج، كما بينت الآيات من سورة البقرة القلق والاضطراب الذي يعيشه المنافقون، وعبرت عن ذلك بالصور الحسية الواردة في الآيات .
ومنهج القرآن الكريم هذا يمكن أن يعتبر أساسا لأهمية استخدام الوسائل التعليمية، كما يدل على أهمية تقريب المعاني المجردة في صور محسوسة .

3 ـ استثارة العقل للتفكير والتدبر:

         يتكرر في القرآن الكريم بشكل ملحوظ الدعوة إلى التفكير والتدبر، ولفت الأنظار إلى كل ما يحيط بالإنسان ليتأمله وينظر إليه، ويمكن أن يكون التفكر في الكون والنفس، قال تعالى: " أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون " (الروم : 8). وقد ركز القرآن الكريم على الإقناع العقلي والتهذيب الأخلاقي، وبيان الأحكام التي تنظم السلوك، وذلك لفهم الكثير من أمور الدنيا والآخرة، وما يلزم المسلم لتأدية ما يطلب منه، وترتبط بالعقل والتفكير سائر العمليات العقلية من تفكير وتعميم وتدبر واستدلال، وفيما يلي أمثلة على استخدام العقل والعمليات العقلية وأثرها في حياة المسلم:

·        يستخدم التفكر والتدبر لإدراك عظمة الله تعالى، واستكمال أركان الإيمان، بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
·        يستخدم التعقل والتدبر لرد النفس عن الهوى ورؤية الحق حقا واتباعه، ورؤية الباطل باطلا واجتنابه.
·        ويستخدم الاستدلال والتفكر لتدعيم الإيمان وقوة الحجة عند الإنسان المسلم.

4 ـ الترغيب والترهيب:

         يستخدم القرآن الكريم الترغيب والترهيب في كثير من المواقف، ووردت آيات عديدة تتضمن الترغيب والترهيب. وفيما يلي بعض الملاحظات حول استخدام الترغيب والترهيب في القرآن الكريم:
1 ـ الترغيب والترهيب يتواليان غالبا في القرآن الكريم، أي يلي أحدهما الآخر، وقد يكون ذلك في الآية الواحدة: قال تعالى: " الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت " (النساء : 76)، وقد يكون الترغيب والترهيب في آيتين متجاورتين، قال تعالى: " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون " (الروم : 16،15)، وقد يكون الترغيب والترهيب في مجموعة من الآيات الكريمة.

2 ـ الترغيب والترهيب يستندان على رصيد من الإيمان يفترض وجوده عند المتعلم، وكلما كان الإيمان أقوى كان تأثير الترغيب والترهيب أكبر.

3 ـ الترغيب والترهيب يخاطبان العقل كما يخاطبان الوجدان والروح.

         ويجدر بالمعلم مراعاة الأمور التالية عند استخدام الترغيب والترهيب في التعليم الصفي:
·        أسلوب الترغيب أفضل من الترهيب وأطول أثرا في المتعلم، ويدل على ذلك كثرة الترغيب في القرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى: " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " (الزمر : 53)، وقال تعالى: " إن الحسنات يذهبن السيئات " (هود : 114)، وغيرها الكثير من الآيات.
·         
·        يزيد المعلم تأثير الترغيب والترهيب بإظهار انفعالاته وخشوعه، وعن طريق القدوة الحسنة.
·        البدء بالترغيب قبل الترهيب وخصوصا عند الطلبة الصغار.
·        تكرار الترغيب والترهيب بصور مختلفة وأساليب متعددة يزيد من فعاليته.
·        أن لا يستخدم الترهيب كعقاب تفريغا لغضب المعلم، بل يكون لمصلحة الطالب، ويبين المعلم ذلك للطالب بشكل من الأشكال.

5 ـ التكرار وتنوع أساليب العرض:

         ركز القرآن الكريم على الأساسيات، وعرضها في آياته مرات عديدة، وكان في كل مرة يعرضها بثوب جديد، يتناسب مع السياق الذي وردت فيه .
         وتتنوع في القرآن الكريم أساليب العرض بشكل ملفت للنظر، فيكفي أن تفتح القرآن الكريم على أي سورة، لتلاحظ تنوع الأساليب، فتجد أن القرآن استخدم الاستفهام والتقرير والشرط والنهي والنفي والتوكيد والقصة والحوار والمثل … ولعل هذا من الأسرار التي تجعل القارئ للقرآن الكريم لا يمل القراءة فيه .

6 ـ التربية بالقدوة:

         ويظهر هذا جليا في المساحة الكبيرة التي أعطاها القرآن الكريم لقصص الأنبياء .
         القدوة أسلوب تعليمي من ألزم الأساليب وأكثرها انتشارا وتأثيرا، وهو من أقدم الأساليب، به تعلم ابن آدم (قابيل) كيف يواري سوءة أخيه...
         وللناس فيما يتعلمون نماذج مختلفة ومصادر متنوعة للقدوة، وقد يقتدى الشخص الواحد بأكثر من نموذج للقدوة، وخير قدوة للمسلمين هو رسول الله r، الذي هو قدوة حسنة دائما، بينما البشر العاديين قد يكونون أحيانا قدوة حسنة وأحيانا قدوة سيئة.
         والتربية الإسلامية تشجع القدوة الحسنة، وتتبنى القيم السامية، وتحذر من القدوة السيئة، وتقاوم الاتجاهات الهابطة.
         والقدوة أسلوب تعليمي يتم عن طريق التأثير والتأثر، والقدوة تقليد حركي، وتفاعل وجداني، وارتباط قيمي، وهي محاكاة حية، وبناء قيمي.

         فالطفل يرى والده مثلا أعلى يحبه ويرضاه ويقلده.
         والطفلة ترى والدتها مثلا أعلى تحبه وترضاه وتقلده.
         والطالب الصغير إن أحب معلمه/معلمته وجد فيه/فيها قدوة حسنة.
         والمرؤوس قد يعجب برئيسه فيقلده ويحذو حذوه في مجال العمل.
         لذا فعلى معلم التربية الإسلامية أن يكون قدوة حسنة في مدرسته، لطلبته وللعاملين معه، وذلك بالتحلي بالتقوى والورع والأخلاق الفاضلة، وأن يطابق قوله عمله، وأن تكون شخصيته محبوبة لطلبته، ويكون موضع تقديرهم واعتزازهم.

Post a Comment

Previous Post Next Post